وأما [ ص: 60 ] منها ( فمنها ) أن المستحب أن يكون الذبح بالنهار ويكره بالليل والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما يستحب من الذكاة وما يكره أنه نهى عن الأضحى ليلا وعن الحصاد ليلا } وهو كراهة تنزيه ومعنى الكراهة يحتمل أن يكون لوجوه : أحدها أن الليل وقت أمن وسكون وراحة فإيصال الألم في وقت الراحة يكون أشد ، والثاني أنه لا يأمن من أن يخطئ فيقطع يده ولهذا كره الحصاد بالليل ، والثالث أن العروق المشروطة في الذبح لا تتبين في الليل فربما لا يستوفي قطعها .
( ومنها ) أنه يستحب في الذبح حالة الاختيار أن يكون ذلك بآلة حادة من الحديد كالسكين والسيف ونحو ذلك ويكره بغير الحديد وبالكليل من الحديد ; لأن السنة في ذبح الحيوان ما كان أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته والأصل فيه ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { } وفي بعض الروايات { : إن الله تعالى عز شأنه كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته وليشد قوائمه وليلقه على شقه الأيسر وليوجهه نحو القبلة وليسم الله تعالى عليه } ، والذبح بما قلنا أسهل على الحيوان وأقرب إلى راحته .
( ومنها ) التذفيف في قطع الأوداج ويكره الإبطاء فيه لما روينا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : { } والإسراع نوع راحة له . وليرح ذبيحته
( ومنها ) الذبح في الشاة والبقرة والنحر في الإبل ، ويكره القلب من ذلك لما ذكرنا فيما تقدم والله عز شأنه أعلم ومنها أن يكون ذلك من قبل الحلقوم ويكره من قبل القفا لما مر .
( ومنها ) قطع الأوداج كلها ويكره قطع البعض دون البعض لما فيه من إبطاء فوات حياته .
( ومنها ) الاكتفاء بقطع الأوداج ولا يبلغ به النخاع وهو العرق الأبيض الذي يكون في عظم الرقبة ، ولا يبان الرأس ولو فعل ذلك يكره لما فيه من زيادة إيلام من غير حاجة إليها ، وفي الحديث { ألا لا تنخعوا الذبيحة } والنخع القتل الشديد حتى يبلغ النخاع .
( ومنها ) أن يكون الذابح مستقبل القبلة والذبيحة موجهة إلى القبلة لما روينا ولما روي أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا ذبحوا استقبلوا القبلة فإنه روي عن الشعبي أنه قال : كانوا يستحبون أن يستقبلوا بالذبيحة القبلة ، وقوله : " كانوا " كناية عن الصحابة رضي الله عنهم ومثله لا يكذب ولأن المشركين كانوا يستقبلون بذبائحهم إلى الأوثان فتستحب مخالفتهم في ذلك باستقبال القبلة التي هي جهة الرغبة إلى طاعة الله عز شأنه .
ويكره أن يقول عند الذبح : اللهم تقبل من فلان ، وإنما يقول ذلك بعد الفراغ من الذبح أو قبل الاشتغال بالذبح هكذا روى عن أبو يوسف رحمهما الله عن أبي حنيفة حماد عن ، وكذلك قال إبراهيم : ادع بالتقبل قبل الذبح إن شئت أو بعده ، وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبو يوسف } ، وروينا عن موطنان لا أذكر فيهما عند العطاس وعند الذبح رضي الله عنهما أنه قال : جردوا التسمية عند الذبح ، ولو قال ذلك لا تحرم الذبيحة ; لأنه ما ذكر اسم غير الله عز شأنه على سبيل الإشراك لكنه يكره لتركه التجريد من حيث الصورة ، فإن قيل : أليس أنه روي { ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته } ؟ .
فالجواب أنه ليس فيه أنه ذكر مع اسم الله تعالى جل شأنه نفسه عليه الصلاة والسلام أو أمته فيحتمل أنه ضحى أحدهما وذكر اسم الله تعالى ونوى بقلبه أن يكون عنه وضحى الآخر وذكر اسم الله تعالى ونوى بقلبه أن يكون عن أمته وهذا لا يوجب الكراهة ، ويكره له بعد الذبح قبل أن تبرد أن ينخعها أيضا وهو أن ينحرها حتى يبلغ النخاع وأن يسلخها قبل أن تبرد ; لأن فيه زيادة إيلام لا حاجة إليها ، فإن نخع أو سلخ قبل أن تبرد فلا بأس بأكلها لوجود الذبح بشرائطه ، ويكره جرها برجلها إلى المذبح ; لأنه إلحاق زيادة ألم بها من غير حاجة إليها في الذكاة .
وروي عن عن ابن سيرين رضي الله عنهما أنه رأى رجلا يسوق شاة له ليذبحها سوقا عنيفا فضربه بالدرة ثم قال له سقها إلى الموت سوقا جميلا لا أم لك ، ويكره أن يضجعها ويحد الشفرة بين يديها لما روي { سيدنا عمر } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا أضجع شاة وهو يحد الشفرة وهي تلاحظه فقال عليه الصلاة والسلام : أوددت أن تميتها موتات ألا حددت الشفرة قبل أن تضجعها
وروي عن سيدنا رضي الله عنه أنه رأى رجلا وقد أضجع شاة ووضع رجله على صفحة وجهها وهو يحد الشفرة فضربه [ ص: 61 ] بالدرة فهرب الرجل وشردت الشاة ولأن البهيمة تعرف الآلة الجارحة كما تعرف المهالك فتتحرز عنها فإذا أحد الشفرة وقد أضجعها يزداد ألمها وهذا كله لا تحرم به الذبيحة ; لأن النهي عن ذلك ليس لمعنى في المنهي بل لما يلحق الحيوان من زيادة ألم لا حاجة إليه فكان النهي عنه لمعنى في غير المنهي وأنه لا يوجب الفساد كالذبح بسكين مغصوب والاصطياد بقوس مغصوب ونحو ذلك . عمر