وأما فلا يجوز الشاة والمعز إلا عن واحد وإن كانت عظيمة سمينة تساوي شاتين مما يجوز أن يضحى بهما ; لأن القياس في الإبل والبقر أن لا يجوز فيهما الاشتراك ; لأن القربة في هذا الباب إراقة الدم وأنها لا تحتمل التجزئة ; لأنها ذبح واحد وإنما عرفنا جواز ذلك بالخبر فبقي الأمر في الغنم على أصل القياس . قدره
فإن قيل : أليس أنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته فكيف ضحى بشاة واحدة عن أمته ؟ عليه الصلاة والسلام .
( فالجواب ) أنه عليه الصلاة والسلام إنما فعل ذلك لأجل الثواب ; وهو أنه جعل ثواب تضحيته بشاة واحدة لأمته لا للإجزاء وسقوط التعبد عنهم ولا يجوز بعير واحد ولا بقرة واحدة عن أكثر من سبعة ويجوز ذلك عن سبعة أو أقل من ذلك ، وهذا قول عامة العلماء .
وقال رحمه الله : يجزي ذلك عن أهل بيت واحد - وإن زادوا على سبعة - ولا يجزي عن أهل بيتين - وإن كانوا أقل من سبعة - والصحيح قول العامة ; لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { مالك } وعن البدنة تجزي عن سبعة والبقرة تجزي عن سبعة رضي الله عنه قال : { جابر } ولأن القياس يأبى جوازها عن أكثر من واحد لما ذكرنا أن القربة في الذبح وأنه فعل واحد لا يتجزأ ; لكنا تركنا القياس بالخبر المقتضي للجواز عن سبعة مطلقا فيعمل بالقياس فيما وراءه ; لأن البقرة بمنزلة سبع شياه ثم جازت التضحية بسبع شياه عن سبعة سواء كانوا من أهل بيت أو بيتين فكذا البقرة . نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة من غير فصل بين أهل بيت وبيتين
ومنهم من فصل بين البعير والبقرة فقال البقرة لا تجوز عن أكثر من سبعة فأما البعير فإنه يجوز عن عشرة ، ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { } ونوع من القياس يؤيده ; وهو أن الإبل أكثر قيمة من البقر ; ولهذا فضلت الإبل على البقر [ ص: 71 ] في باب الزكاة والديات فتفضل في الأضحية أيضا . البدنة تجزي عن عشرة
( ولنا ) أن الأخبار إذا اختلفت في الظاهر يجب الأخذ بالاحتياط وذلك فيما قلنا ; لأن جوازه عن سبعة ثابت بالاتفاق وفي الزيادة اختلاف فكان الأخذ بالمتفق عليه أخذا بالمتيقن ، وأما ما ذكروا من القياس فقد ذكرنا أن الاشتراك في هذا الباب معدول به عن القياس ، واستعمال القياس فيما هو معدول به عن القياس ليس من الفقه ، ولا شك في بأن اشترك اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة في بدنة أو بقرة ; لأنه لما جاز السبع فالزيادة أولى ، وسواء اتفقت الأنصباء في القدر أو اختلفت ; بأن يكون لأحدهم النصف وللآخر الثلث ولآخر السدس بعد أن لا ينقص عن السبع جواز بدنة أو بقرة عن أقل من سبعة أجزأهم ; لأن لكل واحد منهم في كل بقرة سبعها ، ولو ضحوا ببقرة واحدة أجزأهم فالأكثر أولى ولو ولو اشترك سبعة في خمس بقرات أو في أكثر فذبحوها لم يجزهم ; لأن كل بقرة بينهم على ثمانية أسهم فيكون لكل واحد منهم أنقص من السبع ، وكذلك إذا كانوا عشرة أو أكثر فهو على هذا . اشترك ثمانية في سبع بقرات
ولو اشترك ثمانية في ثمانية من البقر فضحوا بها لم تجزهم ; لأن كل بقرة تكون بينهم على ثمانية أسهم ، وكذلك إذا كان البقر أكثر لم تجزهم ، ولا رواية في هذه الفصول وإنما قيل إنه لا يجوز بالقياس .
ولو اشترك سبعة في سبع شياه بينهم فضحوا بها - القياس أن لا تجزئهم ; لأن كل شاة تكون بينهم على سبعة أسهم وفي الاستحسان يجزيهم .
وكذلك لو اشترى اثنان شاتين للتضحية فضحيا بهما بخلاف عبدين بين اثنين عليهما كفارتان فأعتقاهما عن كفارتيهما أنه لا يجوز ; لأن الأنصباء تجتمع في الشاتين ولا تجتمع في الرقيق بدليل أنه يجبر على القسمة في الشاة ولا يجبر في الرقيق ، ألا ترى أنها لا تقسم قسمة جمع في قول ؟ رضي الله عنه وعلى هذا ينبغي أن يكون في الأول قياس واستحسان ، والمذكور جواب القياس وأما صفته فهي أن يكون سليما عن العيوب الفاحشة وسنذكرها في بيان شرائط الجواز بعون الله تعالى ، والله الموفق . أبي حنيفة