( وأما ) الذي يرجع إلى المنذور به فأنواع : .
( منها ) أن يكون متصور الوجود في نفسه شرعا ، فلا يصح كمن قال : لله - تعالى - علي أن أصوم ليلا أو نهارا أكل فيه ، وكالمرأة إذا قالت : لله علي أن أصوم أيام حيضي ; لأن الليل ليس محل الصوم ، والأكل مناف للصوم حقيقة والحيض مناف له شرعا ; إذ الطهارة عن الحيض والنفاس شرط وجود الصوم الشرعي ولو النذر بما لا يتصور وجوده شرعا لا شيء عليها عند قالت : لله علي أن أصوم غدا فحاضت في غد ، أو قالت : لله علي أن أصوم يوم يقدم فلان فقدم في يوم حاضت فيه ، وعند محمد عليها قضاء ذلك اليوم ، وهي من مسائل الصوم . أبي يوسف
وعلى هذا يخرج ما إذا - أنه إن قدم قبل الزوال أو قبل أن يتناول شيئا من المفطرات يلزمه صومه ، وإن قدم بعد الزوال أو بعد ما تناول شيئا من المفطرات لا يلزمه شيء ; لأنه أوجب على نفسه صوم يوم موصوف بأنه يوجد فيه قدوم فلان ولا علم له بهذا اليوم قبل القدوم ولا دليل العلم ، ولا وجوب لهذا الصوم بدون العلم ; أو دليله ; لأن ما ثبت أداؤه على قصد المؤدي في تحصيله لا يجب أداؤه إلا بعد العلم بوجوبه أو دليل العلم ، فلم يجب الصوم ما لم يوجد اليوم الموصوف ، ولا وجود إلا بالقدوم ، فصار الوجوب على هذا التخريج متعلقا بالقدوم ، ووجوب صوم يوم لم تزل فيه الشمس ، ولم يتناول شيئا من المفطرات متصور ، كما لو أنشأ النذر فوجب عليه للحال ، ولا تصور له بعد التناول وبعد الزوال فلا يجب عليه شيء ، بخلاف اليمين بأن قال : لله - تعالى - علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان ، فقدم في النهار - حنث في يمينه ، والفرق أن في باب النذر يجب الفعل حقا لله - تعالى - ; لأن الوجوب بإيجاب الله - تعالى - عند مباشرة سبب الوجوب من العبد فصار هذا وسائر العبادات المقصودة على السواء . قال : والله لأصومن اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم بعد ما أكل ، أو بعد الزوال
( وأما ) في باب اليمين : فالفعل في نفسه غير واجب ، بل الواجب هو الامتناع عن هتك حرمة اسم الله - تعالى عز شأنه - وإنما وجب الفعل لضرورة حصول البر ، وحصول البر أيضا لضرورة الامتناع عن الهتك فوجوبه لا يفتقر إلى العلم ، فكان وجوب تحصيل البر والامتناع ثابتا قبل وجود دليل الوجوب وهو القدوم ، فوجب عليه البر من أول وجود هذا اليوم الذي حلف أن يصومه وإن لم يكن له به علم ، فإذا لم يصم : بأن أكل أو امتنع من النذر حتى زالت الشمس حنث في يمينه لفوات البر والله - عز شأنه - أعلم .
( ومنها ) أن يكون قربة فلا يصح رأسا كالنذر بالمعاصي بأن يقول : لله - عز شأنه - علي أن أشرب الخمر أو أقتل فلانا أو أضربه أو أشتمه ونحو ذلك ، لقوله عليه الصلاة والسلام { النذر بما ليس بقربة } ، وقوله : عليه الصلاة والسلام { لا نذر في معصية الله تعالى } ، ولأن حكم النذر وجوب المنذور به ، ووجوب فعل المعصية محال وكذا النذر بالمباحات من الأكل والشرب والجماع ونحو ذلك لعدم وصف القربة لاستوائهما فعلا وتركا ، وكذا لو من نذر أن يعصي الله - تعالى - فلا يعصه لأن الطلاق ليس بقربة فلا يلزم بالنذر ، قال : علي طلاق امرأتي ; فيه كلام نذكره إن شاء الله تعالى . وهل يقع الطلاق به ؟
( ومنها ) أن يكون قربة مقصودة ، فلا يصح والوضوء والاغتسال ودخول المسجد ومس المصحف والأذان وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك وإن كانت قربا ; لأنها ليست بقرب مقصودة ويصح النذر بعيادة المرضى وتشييع الجنائز ; لأنها قرب مقصودة [ ص: 83 ] وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : { النذر بالصلاة والصوم والحج والعمرة والإحرام بهما والعتق والبدنة والهدي والاعتكاف ونحو ذلك } ، وقال عليه الصلاة والسلام : { من نذر أن يطيع الله - تعالى - فليطعه } ; إلا أنه خص منه المسمى الذي ليس بقربة أصلا ، والذي ليس بقربة مقصودة فيجب العمل بعمومه فيما وراءه ومن مشايخنا من أصل في هذا أصلا فقال : ما له أصل في الفروض يصح النذر به ولا شك أن ما سوى الاعتكاف من الصلاة والصوم وغيرهما له أصل في الفروض ، والاعتكاف له أصل أيضا في الفروض وهو الوقوف من نذر وسمى فعليه وفاؤه بما سمى بعرفة ، وما لا أصل له في الفروض لا يصح النذر به كعيادة المرضى وتشييع الجنازة ودخول المسجد ونحوها وعلل بأن النذر إيجاب العبد فيعتبر بإيجاب الله تعالى .