( وأما ) الذي يرجع إلى المحل المصروف إليه الطعام فمنها أن يكون فقيرا ، فلا يجوز تمليكا وإباحة لأن الله - تبارك وتعالى - أمر بإطعام عشرة مساكين بقوله - سبحانه - : { إطعام الغني عن الكفارة فكفارته إطعام عشرة مساكين } ، لأنه فقير بدليل أنه يجوز إعطاء الزكاة إياه فالكفارة أولى . ولو كان له مال وعليه دين له مطالب من جهة العباد يجوز إطعامه
ومنها أن يكون ممن يستوفي الطعام ، وهذا في إطعام الإباحة حتى لو أو فوق ذلك لم يجز وعليه إطعام مسكين واحد لقوله - جل جلاله - : { غدى عشرة مساكين وعشاهم وفيهم صبي من أوسط ما تطعمون أهليكم } وذلك ليس من أوسط ما يطعم ، حتى جاز لأن المراهق يستوفي الطعام فيحصل الإطعام من أوسط ما يطعم ومنها لو كان مراهقا لأن الصرف إليه صرف إلى نفسه فلم يجز ومنها أن لا يكون من أن لا يكون مملوكه لأن المنافع بينهم متصلة فكان الصرف إليهم صرفا إلى نفسه من وجه ، ولهذا لم يجز صرف الزكاة إليهم ، ولا تقبل شهادة البعض للبعض ، ولما ذكرنا أن الواجب بحق التكفير لما اقترف من الذنب بما أعطى نفسه مناها وأوصلها إلى هواها بغير إذن من الآذن وهو الله - سبحانه جلت عظمته - ففرض عليهم الخروج عن المعصية بما تتألم به النفس وينفر عنه الطبع ليذيق نفسه المرارة بمقابلة إعطائها من الشهوة . الوالدين والمولودين فلا يجوز إطعامهم تمليكا وإباحة
وهذا المعنى لا يحصل بإطعام هؤلاء لأن النفس لا تتألم به بل تميل إليه لما جعل الله - سبحانه - الطبائع بحيث لا تحتمل نزول البلاء والشدة بهم ، وبحيث يجتهد كل في دفع الحاجة عنهم مثل الدفع عن نفسه ، ولو جاز لأن هذا المعنى لا يوجد في الأخ والأخت فدخل تحت عموم قوله تعالى : { أطعم أخاه أو أخته وهو فقير فكفارته إطعام عشرة مساكين } ، ولو أجزأه في قول أطعم ولده أو غنيا على ظن أنه أجنبي أو فقير ثم تبين أبي حنيفة ، وعند ومحمد لا يجوز ، وهو على الاختلاف الذي ذكرنا في الزكاة وقد مر الكلام فيه . أبي يوسف
ومنها أن لا يكون هاشميا لأن الله - تبارك وتعالى - كره لهم غسالة أيدي الناس وعوضهم بخمس الخمس من الغنيمة ، ولو فهو على الاختلاف . دفع إليه على ظن أنه ليس [ ص: 104 ] بهاشمي ثم ظهر أنه هاشمي
ومنها أن لا يكون زوجا أو زوجة له لأن وهو تألم الطبع ونفاره بالبذل والإخراج لا يوجد بين الزوجين لما يوجد البذل بينهما شهوة وطبيعة ويكون التناكح لمثله في العرف والشرع على ما روي { ما شرع له الكفارة } ، وعلى ما وضع النكاح للمودة والمحبة ولا يتحقق ذلك إلا بالبذل ودفع الشح ، ولهذا لا تقبل شهادة أحدهما للآخر لأن أحدهما ينتفع بمال صاحبه فتتمكن التهمه في الشهادة . تنكح المرأة لمالها وجمالها
ومنها أن لا يكون حربيا وإن كان مستأمنا لأن الله - تعالى عز شأنه - نهانا عن البر بهم والإحسان إليهم بقوله تعالى : { إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم } ولأن في الدفع إلى الحربي إعانة له على الحراب مع المسلمين وقد قال الله سبحانه وتعالى : { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ويجوز إلا الزكاة في قول إعطاء فقراء أهل الذمة من الكفارات والنذور وغير ذلك أبي حنيفة رحمهما الله ، وقال ومحمد رحمه الله لا يجوز إلا النذور والتطوع ودم المتعة ( وجه ) قوله أن هذه صدقة وجبت بإيجاب الله - عز شأنه - فلا يجوز صرفها إلى الكافر كالزكاة بخلاف النذر لأنه وجب بإيجاب العبد ، والتطوع ليس بواجب أصلا ، والتصدق بلحم المتعة غير واجب لأن معنى القربة في الإراقة . أبو يوسف
( ولهما ) عموم قوله تعالى { فكفارته إطعام عشرة مساكين } من غير فصل بين المؤمن والكافر إلا أنه خص منه الحربي بما تلونا فبقي الذمي على عموم النص فكان ينبغي أن يجوز صرف الزكاة إليه إلا أن الزكاة خصت { حين بعثه إلى لمعاذ اليمن خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم } ، أمر عليه الصلاة والسلام برد الزكاة إلى من أمر بالأخذ من أغنيائهم ، والمأخوذ منه المسلمون فكذا المردود عليهم . بقول النبي عليه الصلاة والسلام
وروي عن النبي عليه الصلاة والسلام قال { } . أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائهم وأردها في فقرائهم
( ووجه ) الاستدلال ما ذكرنا ، ولأن الكفارة وجبت لدفع المسكنة والمسكنة موجودة في الكفرة فيجوز صرف الصدقة إليهم كما يجوز صرفها إلى المسلم بل أولى لأن التصدق عليهم بعض ما يرغبهم إلى الإسلام ويحملهم عليه ، ولما ذكرنا أن الكفارات وجبت بما اختار من إعطاء النفس شهوتها فيما لا يحل له فتكون كفارتها بكف النفس عن شهوتها فيما يحل له وبذل ما كان في طبعه منعه ، وهذا المعنى يحصل بالصرف إلى الكافر بخلاف الزكاة لأنها ما وجبت بحق التكفير بل بحق الشكر ، ألا ترى أنها تجب بلا كسب من جهة العبد ؟ وحق الشكر الإنفاق في طاعة المنعم ، والصرف إلى المؤمن إنفاق على من يصرفه إلى طاعة الله - جل شأنه - فيخرج مخرج المعونة على الطاعة فيحصل معنى الشكر على الكمال والكافر لا يصرفه إلى طاعة الله - عز شأنه - فلا يتحقق معنى الشكر على التمام ، فأما الكفارات فما عرف وجوبها شكرا بل تكفيرا لإعطاء النفس شهوتها بإخراج ما في شهوتها المنع وهذا المعنى في الصرف إلى الكافر موجود على الكمال والتمام لذلك افترقا .