ويكره الاحتكار والكلام في الاحتكار في موضعين أحدهما في تفسير الاحتكار وما يصير به الشخص محتكرا والثاني في بيان . حكم الاحتكار
( أما ) الأول فهو أن يشتري طعاما في مصر ويمتنع عن بيعه وذلك يضر بالناس وكذلك لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير وهذا يضر به يكون محتكرا وإن كان مصرا كبيرا لا يضر به لا يكون محتكرا ولو جلب إلى مصر طعاما من مكان بعيد وحبسه لا يكون احتكارا .
وروي عن رحمه الله أنه يكون احتكارا لأن كراهة الاحتكار بالشراء في المصر والامتناع عن البيع لمكان الإضرار بالعامة وقد وجد ههنا أبي يوسف رضي الله عنه قول النبي عليه الصلاة والسلام { ولأبي حنيفة } وهذا جالب ولأن حرمة الاحتكار بحبس المشترى في المصر لتعلق حق العامة به فيصير ظالما بمنع حقهم على ما نذكر ولم يوجد ذلك في المشتري خارج المصر من مكان بعيد لأنه متى اشتراه ولم يتعلق به حق أهل المصر فلا يتحقق الظلم ولكن مع هذا الأفضل له أن لا يفعل ويبيع لأن في الحبس ضررا بالمسلمين وكذلك ما حصل له من ضياعه بأن زرع أرضه فأمسك طعامه فليس ذلك باحتكار لأنه لم يتعلق به حق أهل المصر لكن الأفضل أن لا يفعل ويبيع لما قلنا ثم الاحتكار يجري في كل ما يضر بالعامة عند الجالب مرزوق رحمه الله قوتا كان أو لا وعند أبي يوسف رحمه الله لا يجري الاحتكار إلا في قوت الناس وعلف الدواب من الحنطة والشعير والتبن والقت . محمد
( وجه ) قول رحمه الله أن الضرر في الأعم الأغلب إنما يلحق العامة بحبس القوت والعلف فلا يتحقق الاحتكار إلا به ( وجه ) قول محمد رحمه الله إن الكراهة لمكان الإضرار بالعامة وهذا لا يختص بالقوت والعلف ( وأما ) حكم الاحتكار فنقول يتعلق بالاحتكار أحكام ( منها ) الحرمة لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { أبي يوسف } ولا يلحق اللعن إلا بمباشرة المحرم وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال { المحتكر ملعون والجالب مرزوق } ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بارتكاب الحرام ولأن الاحتكار من باب الظلم لأن ما بيع في المصر فقد تعلق به حق العامة فإذا امتنع المشتري عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم حقهم ومنع الحق عن المستحق ظلم وأنه حرام وقليل مدة الحبس وكثيرها سواء في حق الحرمة لتحقق الظلم . من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه
( ومنها ) أن لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار ورفع إلى الإمام مرة أخرى وهو مصر عليه فإن الإمام يعظه ويهدده فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره زجرا له عن سوء صنعه ولا يجبر على البيع وقال يؤمر المحتكر بالبيع إزالة للظلم يجبر عليه وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لأن الجبر على البيع في معنى الحجر وكذا لا يسعر لقوله عز وجل { محمد يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقوله عليه الصلاة والسلام { } وروي { لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه المدينة وطلبوا التسعير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسعر وقال إن الله تبارك وتعالى هو المسعر القابض الباسط } . أن السعر علا في
( ومنها ) أنه وفرقه عليهم فإذا وجدوا ردوا عليهم مثله لأنهم اضطروا إليه ومن اضطر إلى مال الغير في مخمصة كان له أن يتناوله بالضمان لقوله تعالى { إذا خاف الإمام الهلاك على أهل المصر أخذ الطعام من المحتكرين فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } .