( وأما ) فجملة الكلام فيه أن الفضولي إذا اشترى شيئا لغيره فلا يخلو إما إن أضاف العقد إلى نفسه ، وإما إن أضافه إلى الذي اشترى له فإن أضافه إلى نفسه كان المشترى له سواء وجدت الإجازة من الذي اشترى له أو لم توجد ; لأن الشراء إذا وجد نفاذا على العاقد نفذ عليه ، ولا يتوقف ; لأن الأصل أن يكون تصرف الإنسان لنفسه لا لغيره قال الله - تعالى عز من قائل - { حكم شراء الفضولي لها ما كسبت } .
وقال - عز من قائل - { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ، وشراء الفضولي كسبه حقيقة ، فالأصل أن يكون له إلا إذا جعله لغيره أو لم يجد نفاذا عليه لعدم الأهلية فيتوقف على إجازة الذي اشترى له بأن كان الفضولي صبيا محجورا أو عبدا محجورا فاشترى لغيره يتوقف على إجازة ذلك الغير ; لأن الشراء لم يجد نفاذا عليه فيتوقف على إجازة الذي اشترى له ضرورة فإن أجاز نفذ ، وكانت العهدة عليه لا عليهما ; لأنهما ليسا من أهل لزوم العهدة ، وإن أضاف العقد إلى الذي اشترى له بأن قال الفضولي للبائع : بع عبدك هذا من فلان بكذا ، فقال : بعت ، وقبل الفضولي البيع فيه لأجل فلان أو قال البائع : بعت هذا العبد من فلان بكذا ، وقبل المشتري الشراء منه لأجل فلان فإنه يتوقف على إجازة المشتري له ; لأن تصرف الإنسان ، وإن كان له على اعتبار الأصل إلا أن له أن يجعله لغيره بحق الوكالة ، وغير ذلك ، وههنا جعله لغيره فينعقد موقوفا على إجازته .
ولو أو قال البائع للفضولي : بعت منك هذا العبد بكذا لفلان فقال : اشتريت لا يتوقف ، وينفذ الشراء عليه ; لأنه لم توجد الإضافة إلى فلان [ ص: 151 ] في الإيجاب والقبول ، وإنما وجدت في أحدهما ، وأحدهما شطر العقد فلا يتوقف لما ذكرنا أن الأصل أن لا يتوقف ( ، ) ، وإنما توقف لضرورة الإضافة من الجانبين فإذا لم يوجد يجب العمل بالأصل ، وهذا بخلاف الوكيل بالشراء أنه إذا اشترى شيئا يقع شراؤه للموكل ، وإن أضاف العقد إلى نفسه لا إلى الموكل ; لأنه لما أمره بالشراء فقد أنابه مناب نفسه فكان تصرف الوكيل كتصرفه بنفسه ، ولو اشترى بنفسه كان المشترى له كذا هذا ، والله - تعالى أعلم - ، ولو اشترى الفضولي شيئا لغيره ، ولم يضف المشترى إلى غيره حتى لو كان الشراء له فظن المشتري ، والمشترى له أن المشترى يكون للمشترى له فسلم إليه بعد القبض بالثمن الذي اشتراه به ، وقبل المشترى له صح ذلك . قال الفضولي للبائع : اشتريت منك هذا العبد بكذا لأجل فلان ، فقال : بعت
ويجعل ذلك تولية كأنه ولاه منه بما اشترى ، ولو علم المشتري بعد ذلك أن الشراء نفذ عليه والمشترى له فأراد أن يسترد من صاحبه بغير رضاه لم يكن له ذلك ; لأن التولية منه قد صحت ، فلا يملك الرجوع كمن اشترى منقولا ، فطلب جاره الشفعة ، فظن المشتري أن له شفعة فسلم إليه ، ثم أراد أحدهما أن ينقض ذلك من غير رضا الآخر لم يكن له ذلك ; لأنه لما سلم إليه صار ذلك بيعا بينهما ، ولو فالقول قول المشترى له ; لأن المشتري لما قال : اشتريته لك كان ذلك إقرارا منه بأنه اشتراه بأمره ; لأن الشراء له لا يكون إلا بأمره عادة فكان القول قوله ثم إن أخذه بقضاء القاضي لا يحل له ذلك إلا إذا كان صادقا في كلامه فيما بينه وبين الله - جل شأنه - وإن أخذه بغير قضاء طاب له ; لأنه أخذه برضاه فصار ذلك بيعا منهما بتراضيهما ( ومنها ) اختلفا فقال المشترى له : كنت أمرتك بالشراء ، وقال المشتري : اشتريته لك بغير أمرك حتى لو هلك أحدهما قبل الإجازة من المالك لا تلحقه الإجازة . قيام البائع والمشتري
( ومنها ) حتى لو هلك المالك قبل إجازته لا يجوز بإجازة ورثته . قيام المالك
( ومنها ) حتى لو هلك قبل إجازة المالك لا يجوز بإجازة المالك غير أنه إن هلك في يد المالك يملك بغير شيء ، وإن قيام المبيع فالمالك بالخيار إن شاء ضمن البائع ، وإن شاء ضمن المشتري لوجود سبب الضمان من كل واحد منهما ، وهو التسليم من البائع والقبض من المشتري ; لأن تسليم مال الغير وقبضه بغير إذن صاحبه كل واحد منهما سبب لوجوب الضمان ، وأيهما اختار تضمينه برئ الآخر ، ولا سبيل عليه بحال ; لأنه لما ضمن أحدهما فقد ملك المضمون فلا يملك تمليكه من غيره لما فيه من الاستحالة ، وهو تمليك شيء واحد في زمان واحد من اثنين على الكمال ، فإن اختار تضمين المشتري رجع المشتري بالثمن على البائع ، وبطل البيع ، وليس له أن يرجع عليه بما ضمن كما في المشتري من الغاصب ، وإن اختار تضمين البائع ذكر هلك بعد التسليم إلى المشتري رحمه الله أنه ينظر إن كان قبض البائع قبض ضمان بأن كان مغصوبا في يده نفذ بيعه ; لأنه لما ضمنه فقد ملك المغصوب من وقت الغصب فتبين أنه باع ملك نفسه فينفذ ، وإن كان قبضه قبض أمانة بأن كان وديعة عنده فباعه وسلمه إلى المشتري لا ينفذ بيعه ; لأن الضمان إنما وجب عليه بسبب متأخر عن البيع ، وهو التسليم فيملك المضمون من ذلك الوقت لا من وقت البيع فيكون بائعا مال غيره بغير إذنه فلا ينفذ ، وذكر الطحاوي رحمه الله في ظاهر الرواية . محمد