( ومنها ) - هو شرط جواز أداء الوقتية ، فهذا عندنا ، وعند تقدم قضاء الفائتة التي يتذكرها إذا كانت الفوائت قليلة ، وفي الوقت سعة ، ليس بشرط ، ولقب المسألة أن الترتيب بين القضاء والأداء شرط جواز الأداء عندنا ، وإنما يسقط بمسقط ، وعنده ليس بشرط أصلا ، ويجوز أداء الوقتية قبل قضاء الفائتة فيقع الكلام فيه في الأصل في موضعين : أحدهما - في اشتراط هذا النوع من الترتيب ، والثاني - في بيان ما يسقطه . الشافعي
( أما ) الأول فجملة الكلام فيه أن على أربعة أقسام : أحدها - الترتيب في أداء هذه الصلوات الخمس ، والثاني - الترتيب في قضاء الفائتة وأداء الوقتية ، والثالث - الترتيب في الفوائت ، والرابع - الترتيب في أفعال الصلاة . الترتيب في الصلاة
( أما ) الأول فلا خلاف في أن شرط جواز أدائها ، حتى لا يجوز أداء الظهر في وقت الفجر ، ولا أداء العصر في وقت الظهر ; لأن كل واحدة من هذه الصلوات لا تجب قبل دخول وقتها ، وأداء الواجب قبل وجوبه محال ، واختلف فيما سوى ذلك . الترتيب في أداء الصلوات المكتوبات في أوقاتها
( أما ) فقد قال أصحابنا : إنه شرط . الترتيب بين قضاء الفائتة وأداء الوقتية
وقال : ليس بشرط . الشافعي
( وجه ) قوله أن هذا الوقت صار للوقتية بالكتاب والسنة المتواترة وإجماع الأمة ، فيجب أداؤها في وقتها كما في حال ضيق الوقت وكثرة الفوائت والنسيان .
( ولنا ) قول النبي صلى الله عليه وسلم : { } وفي بعض الروايات : { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، فإن ذلك وقتها ، لا وقت لها إلا ذلك ، فقد جعل وقت التذكر وقت الفائتة } ، فكان أداء الوقتية قبل قضاء الفائتة أداء قبل وقتها فلا يجوز [ ص: 132 ]
وروي عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ابن عمر } ، وهذا عين مذهبنا أنه تفسد الفرضية للصلاة إذا تذكر الفائتة فيها ، ويلزمه الإعادة ، بخلاف حال ضيق الوقت وكثرة الفوائت والنسيان ; لأنا إنما عرفنا كون هذا الوقت وقتا للوقتية بنص الكتاب والسنة المتواترة والإجماع ، وعرفنا كونه وقتا للفائتة بخبر الواحد ، والعمل بخبر الواحد إنما يجب على وجه لا يؤدي إلى إبطال العمل بالدليل المقطوع به ، والاشتغال بالفائتة عند ضيق الوقت إبطال العمل به ; لأنه تفويت للوقتية عن الوقت ، وكذا عند كثرة الفوائت ; لأن الفوائت إذا كثرت تستغرق الوقت فتفوت الوقتية عن وقتها ; ولأن الشرع إنما جعل الوقت وقتا للفائتة لتدارك ما فات فلا يصير وقتا لها على وجه يؤدي إلى تفويت صلاة أخرى وهي الوقتية ; ولأن جعل الشرع وقت التذكر وقتا للفائتة على الإطلاق ينصرف إلى وقت ليس بمشغول ; لأن المشغول لا يشغل ، كما انصرف إلى وقت لا تكره الصلاة فيه . من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام وليجعلها تطوعا ، ثم ليقض ما تذكر ثم ليعد ما كان صلاه مع الإمام
( وأما ) النسيان فلأن خبر الواحد جعل وقت التذكر وقتا للفائتة ، ولا تذكر ههنا فلم يصر الوقت وقتا للفائتة فبقي وقتا للوقتية فأما ههنا فقد وجد التذكر فكان الوقت للفائتة بخبر الواحد ، وليس في هذا إبطال العمل بالدليل المقطوع به ، بل هو جمع بين الدلائل ، إذ لا يفوته شيء من الصلوات عن وقتها ، وليس فيه أيضا شغل ما هو مشغول ، وهذا لأنه لو أخر الوقتية وقضى الفائتة تبين أن وقت الوقتية ما اتصل به الأداء ، وأن ما قبل ذلك لم يكن وقتا لها بل كان وقتا للفائتة بخبر الواحد ، فلا يؤدي إلى إبطال العمل بالدليل المقطوع به .
فأما عند ضيق الوقت - وإن لم يتصل به أداء الوقتية - لا يتبين أنه ما كان وقتا له حتى تصير الصلاة فائتة وتبقى دينا عليه ، وعلى هذا الخلاف الترتيب في الفوائت أنه كما يجب مراعاة الترتيب بين الوقتية والفائتة - عندنا - يجب مراعاته بين الفوائت إذا كانت الفوائت في حد القلة - عندنا أيضا - ; لأن قلة الفوائت لم تمنع وجوب الترتيب في الأداء فكذا في القضاء ، والأصل فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الخندق قضاهن بعد هوي من الليل على الترتيب ثم قال : { } ، ويبنى على هذا صلوا كما رأيتموني أصلي - فإنه يتحرى ; لأنه اشتبه عليه أمر لا سبيل إلى الوصول إليه بيقين وهو الترتيب فيصار إلى التحري ; لأنه عند انعدام الأدلة قام مقام الدليل الشرعي ، كما إذا اشتبهت عليه القبلة فإن مال قلبه إلى شيء عمل به ; لأنه جعل كالثابت بالدليل ، وإن لم يستقر قلبه على شيء وأراد الأخذ بالثقة يصليهما ثم يعيد ما صلى أولا أيتهما كانت ، إلا أن البداءة بالظهر أولى ; لأنها أسبق وجوبا في الأصل ، فيصلي الظهر ثم العصر ثم الظهر ; لأن الظهر لو كانت هي التي فاتت أولا فقد وقعت موقعها وجازت وكانت الظهر التي أداها بعد العصر ثانية نافلة له ، ولو كانت العصر هي المتروكة أولا كانت الظهر التي أداها قبل العصر نافلة له ، فإذا أدى العصر بعدها فقد وقعت موقعها وجازت ، ثم إذا أدى الظهر بعدها وقعت موقعها وجازت فيعمل كذلك ليخرج عما عليه بيقين ، وهذا قول إذا ترك الظهر والعصر من يومين مختلفين ، ولا يدري أيتهما أولى ، وقال أبي حنيفة أبو يوسف : لا نأمره إلا بالتحري ، كذا ذكره ومحمد ولم يذكر أنه إذا استقر قلبه على شيء كيف يصنع عندهما ، وذكر الشيخ الإمام أبو الليث صدر الدين أبو المعين أنه يصلي كل صلاة مرة واحدة ، وقيل : لا خلاف في هذه المسألة على التحقيق ; لأنه ذكر الاستحباب على قول ، وهما ما بينا الاستحباب ، وذكر عدم وجوب الإعادة على قولهما أبي حنيفة ما أوجب الإعادة . وأبو حنيفة
( وجه ) قولهما : أن الواجب في موضع الشك والاشتباه هو التحري والعمل به لا الأخذ باليقين ، ألا ترى أن من شك في جهة القبلة يعمل بالتحري ولا يأخذ باليقين بأن يصلي صلاة واحدة أربع مرات إلى أربع جهات ؟ وكذا من شك في صلاة واحدة فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا يتحرى ولا يبني على اليقين وهو الأقل كذا هذا ; ولأنه لو صلى إحدى الصلاتين مرتين فإنما يصلي مراعاة للترتيب ، والترتيب في هذه الحالة ساقط ; لأنه حين بدأ بإحداهما لم يعلم يقينا أن عليه صلاة أخرى قبل هذه لتصير هذه مؤداة قبل وقتها فسقط عنه الترتيب .
أنه مهما أمكن الأخذ باليقين كان أولى إلا إذا تضمن فسادا كما في مسألة القبلة ، فإن الأخذ بالثقة ثمة يؤدي إلى الفساد [ ص: 133 ] حيث يقع ثلاث من الصلوات إلى غير القبلة بيقين ، ولا تجوز الصلاة إلى غير القبلة بيقين من غير ضرورة ، فيتعذر العمل باليقين دفعا للفساد وههنا لا فساد ; لأن أكثر ما في الباب أنه يصلي إحدى الصلاتين مرتين فتكون إحداهما تطوعا ، وكذا في المسألة الثانية إنما لا يبنى على الأقل لاحتمال الفساد لجواز أنه قد صلى أربعا فيصير بالقيام إلى الأخرى تاركا للقعدة الأخيرة وهي فرض فتفسد صلاته ، ولو أمر بالقعدة أولا ثم بالركعة لحصلت في الثالثة وأنه غير مشروع ، وههنا يصير آتيا بالواجب وهو الترتيب من غير أن يتضمن فسادا ، فكان الأخذ بالاحتياط أولى ، وصار هذا كما إذا فاتته واحدة من الصلوات الخمس ولا يدري أيتها هي أنه يؤمر بإعادة صلاة يوم وليلة احتياطا كذا ههنا . ولأبي حنيفة
( وأما ) قولهما حين بدأ بإحداهما لا يعلم يقينا أن عليه أخرى قبل هذه فكان الترتيب عنه ساقطا فنقول : حين صلى هذه يعلم يقينا أن عليه أخرى لكنه لا يعلم أنها سابقة على هذه أو متأخرة عنها ، فإن كانت سابقة عليها لم تجز المؤداة لعدم مراعاة الترتيب ، وإن كانت المؤداة سابقة جازت ، فوقع الشك في الجواز فصارت المؤداة أول مرة دائرة بين الجواز والفساد فلا يسقط عنه الواجب بيقين عند وقوع الشك في الجواز فيؤمر بالإعادة والله أعلم .
ولو ذكر شك في ثلاث صلوات الظهر من يوم ، والعصر من يوم ، والمغرب من يوم - أن المتأخرين اختلفوا في هذا ، منهم من قال : إنه يسقط الترتيب ; لأن ما بين الفوائت يزيد - على هذا - ست صلوات ، فصارت الفوائت في حد الكثرة فلا يجب اعتبار الترتيب في قضائها ، فيصلي أية صلاة شاء ، وهذا غير سديد ; لأن موضع هذه المسائل في حالة النسيان على ما يذكر ، القدوري ساقط فكانت المؤديات بعد الفائتة في أنفسها جائزة لسقوط الترتيب ، فبقيت الفوائت في أنفسها في حد القلة فوجب اعتبار الترتيب فيها ، فينبغي أن يصلي في هذه الصورة سبع صلوات : يصلي الظهر أولا ، ثم العصر ، ثم الظهر ، ثم المغرب ، ثم الظهر ، ثم العصر ، ثم الظهر ، مراعاة للترتيب بيقين ، والأصل في ذلك أن يعتبر الفائتتين إذا انفردتا فيعيدهما على الوجه الذي بينا ، ثم يأتي بالثالثة ، ثم يأتي بعد الثالثة ما كان يفعله في الصلاتين ، وعلى هذا إذا كانت الفوائت أربعا بأن ترك العشاء من يوم آخر فإنه يصلي سبع صلوات كما ذكرنا في المغرب ، ثم يصلي العشاء ، ثم يصلي بعدها سبع صلوات مثل ما كان يصلي قبل الرابعة . والترتيب عند النسيان
فإن قيل : في الاحتياط ههنا حرج عظيم ، فإنه إذا فاتته خمس صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من أيام مختلفة لا يدري أي ذلك أول يحتاج إلى أن يؤدي إحدى وثلاثين صلاة وفيه من الحرج ما لا يخفى ، فالجواب أن بعض مشايخنا قالوا : إن ما قالاه هو الحكم المراد ; لأنه لا يمكن إيجاب القضاء مع الاحتمال ، إلا أن ما قاله احتياط لا حتم ، ومنهم من قال : لا بل الاختلاف بينهم في حكم المراد ، وإعادة الأولى واجبة عند أبو حنيفة ; لأن أبي حنيفة واجب فإذا لم يعلم به حقيقة وله طريق في الجملة يجب المصير إليه ، وهذا وإن كان فيه نوع مشقة لكنه مما لا يغلب وجوده فلا يؤدي إلى الحرج ، ثم ما ذكرنا من الجواب في حالة النسيان بأن صلى أياما ولم يخطر بباله أنه ترك شيئا منها ، ثم تذكر الفوائت ولم يتذكر الترتيب فأما إذا كان ذاكرا للفوائت حتى صلى أياما مع تذكرها ثم نسي سقط الترتيب ههنا ; لأن الفوائت صارت في حد الكثرة ; لأن المؤديات بعد الفوائت عندهما فاسدة إلى الست وإذا فسدت كثرت الفوائت فسقط الترتيب ، فله أن يصلي أية صلاة شاء من غير الحاجة إلى التحري وأما على قياس قول الترتيب في القضاء لا يسقط الترتيب ; لأن المؤديات عنده تنقلب إلى الجواز إذا بلغت مع الفائتة ستا ، وإذا انقلبت إلى الجواز بقيت الفوائت في حد القلة فوجب اعتبار الترتيب فيها ، فالحاصل أنه يجب النظر إلى الفوائت فما دامت في حد القلة وجب مراعاة الترتيب فيها ، وإذا كثرت سقط الترتيب فيها ; لأن كثرة الفوائت تسقط الترتيب في الأداء فلأن يسقط في القضاء أولى ، هذا إذا شك في صلاتين فأكثر ، فأما إذا شك في صلاة واحدة فاتته ولا يدري أية صلاة هي - يجب عليه التحري لما قلنا ، فإن لم يستقر قلبه على شيء يصلي خمس صلوات ليخرج عما عليه بيقين . أبي حنيفة
وقال محمد بن مقاتل الرازي : إنه يصلي ركعتين ينوي بهما الفجر ، ويصلي ثلاث ركعات أخر بتحريمة على حدة ينوي بها المغرب ، ثم يصلي أربعا ينوي بها ما فاتته ، فإن كانت الفائتة ظهرا أو عصرا أو عشاء انصرفت هذه إليها وقال : يصلي أربعا ينوي بها ما [ ص: 134 ] عليه لكن بثلاث قعدات فيقعد ، على رأس الركعتين والثلاث والأربع وهو قول سفيان الثوري بشر ، حتى لو كانت المتروكة فجرا لجازت لقعوده على رأس الركعتين والثاني يكون تطوعا ، ولو كانت المغرب لجازت لقعوده على ثلاث ، ولو كانت من ذوات الأربع كانت كلها فرضا وخرج عن العهدة بيقين ، إلا أن ما قلناه أحوط ; لأن من الجائز أن يكون عليه صلاة أخرى كان تركها في وقت آخر ، ولو نوى ما عليه ينصرف إلى تلك الصلاة أو يقع التعارض فلا ينصرف إلى هذه التي يصلي ، فيعيد صلاة يوم وليلة ليخرج عن عهدة ما عليه بيقين ، وعلى هذا لو ترك سجدة من صلب صلاة مكتوبة ولم يدر أية صلاة هي - يؤمر بإعادة خمس صلوات لأنها من أركان الصلاة ، فصار الشك فيها كالشك في الصلاة .