( وأما ) فأنواع : منها - الشركة في الصلاتين واتحادهما سببا وفعلا ووصفا ; لأن الاقتداء بناء التحريمة على التحريمة ، فالمقتدي عقد تحريمته لما انعقدت له تحريمة الإمام ، فكلما انعقدت له تحريمة الإمام جاز البناء من المقتدي ، وما لا فلا ، وذلك لا يتحقق إلا بالشركة في الصلاتين ، واتحادهما من الوجوه الذي وصفنا ، وعلى هذا الأصل يخرج مسائل : شرائط الركن لم يصح اقتداؤه ; لأن معنى الاقتداء وهو البناء لا يتصور ههنا ; لأن البناء على العدم محال . المقتدي إذا سبق الإمام بالافتتاح
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { } ، وما لم يكبر الإمام لا يتحقق الائتمام به ، وكذا إذا كبر قبله فقد اختلف عليه ، إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه أجزأه ; لأنه صار قاطعا لما كان فيه شارعا في صلاة الإمام ، كمن كان في النفل فكبر ونوى الفرض يصير خارجا من النفل داخلا في الفرض ، وكمن باع بألف ثم ألفين كان فسخا للأول وعقدا آخر كذا هذا ، ولو لم يجدد حتى لم يصح اقتداؤه هل يصير شارعا في صلاة نفسه ؟ أشار في كتاب الصلاة إلى أنه يصير شارعا ; لأنه علل فيما إذا جدد التكبير ونوى الدخول في صلاة الإمام فقال : التكبير الثاني قطع لما كان فيه ، وأشار في نوادر ولو جدد التكبير بعد تكبير الإمام بنية الدخول في صلاته أبي سليمان إلى أنه لا يصير شارعا في نفسه ، فإنه ذكر أنه لو قهقه لا تنتقض طهارته ، ثم من مشايخنا من حمل اختلاف الجواب على اختلاف موضوع المسألة فقال : موضوع المسألة في النوادر أنه إذا كبر ظنا منه أن الإمام كبر فيصير مقتديا بمن ليس في الصلاة ، كالمقتدي بالمحدث والجنب ، وموضوع المسألة في كتاب الصلاة أنه كبر على علم منه أن الإمام لم يكبر فيصير شارعا في صلاة نفسه ، ومنهم من حقق الاختلاف بين الروايتين .
( وجه ) رواية النوادر أنه نوى الاقتداء بمن ليس في الصلاة فلا يصير شارعا في صلاة نفسه ، كما لو اقتدى بمشرك أو جنب أو بمحدث ، وهذا لأن صلاة المنفرد غير صلاة المقتدي ، بدليل أن المنفرد لو استأنف التكبير ناويا الشروع في صلاة الإمام صار شارعا مستأنفا ، واستقبال ما هو فيه لا يتصور ، دل أن هذه الصلاة غير تلك الصلاة ، فلا يصير شارعا في إحداهما بنية الأخرى .
( وجه ) ما ذكر في كتاب الصلاة أنه نوى شيئين : الدخول في الصلاة ، والاقتداء بالإمام فبطلت إحدى نيتيه وهي نية الاقتداء ; لأنها لم تصادف محلها فتصح الأخرى وهي نية الصلاة ، وصار كالشارع في الفرض على ظن أنه عليه وليس عليه ، بخلاف ما إذا اقتدى بالمشرك والمحدث والجنب ; لأنهم ليسوا من أهل الاقتداء بهم فصار بالاقتداء بهم ملغيا صلاته .
وأما هذا فمن أهل الاقتداء به ، والصلاة خلفه معتبرة فلم يصر بالاقتداء به ملغيا صلاته والله أعلم هذا إذا كبر المقتدي وعلم أنه كبر قبل الإمام ، فأما ، ذكر هذه المسألة في الهارونيات وجعلها على ثلاثة أوجه : إن كان أكبر رأيه أنه كبر قبل الإمام لا يصير شارعا في صلاة الإمام ، وإن كان أكبر رأيه أنه كبر بعد الإمام يصير شارعا في صلاته ; لأن غالب الرأي حجة عند عدم اليقين بخلافه ، وإن لم يقع رأيه [ ص: 139 ] على شيء فالأصل فيه هو الجواز ما لم يظهر أنه كبر قبل الإمام بيقين ، ويحمل على الصواب احتياطا ما لم يستيقن بالخطأ ، كما قلنا في باب الصلاة عند الاشتباه في جهة القبلة ولم يخطر بباله شيء ولم يشك أن الجهة التي صلى إليها قبلة أم لا : إنه يقضي بجوازها ما لم يظهر خطؤه بيقين ، وكذا في باب الزكاة ، كذلك ههنا . إذا كبر ولم يعلم أنه كبر قبل الإمام أو بعده