وأما بأن التقابض في بيع المطعوم بالمطعوم بجنسه أو بغير جنسه ، فهل هو شرط ؟ اختلف فيه قال أصحابنا : ليس بشرط ، وقال باع قفيز حنطة بقفيز حنطة أو بقفيزي شعير وعينا البدلين بالإشارة إليهما رحمه الله : شرط حتى لو افترقا من غير قبض ، عندنا يثبت الملك ، وعنده لا يثبت ما لم يتقابضا في المجلس ، احتج بقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور : { الشافعي } ، وبقوله : عليه الصلاة والسلام { الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء يدا بيد } ; ولأن الافتراق من غير تقابض في بيع المطعوم بجنسه لا يخلو عن الربا لجواز أن يقبض أحد المتعاقدين دون الآخر فيتحقق الربا ; لأن للمقبوض فضلا على غير المقبوض فأشبه فضل الحلول على الأجل ، وإنما يقع التحرز عنه بوجوب التقابض ولهذا صار شرطا في الصرف كذا هذا .
( ولنا ) عمومات البيع من نحو قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } ، وقوله عز شأنه : { وأحل الله البيع وحرم الربا } وغير ذلك نهى عن الأكل بدون التجارة عن تراض ، واستثنى التجارة عن تراض فيدل على إباحة الأكل في التجارة عن تراض من غير شرط القبض ، وذلك دليل ثبوت الملك بدون التقابض ; لأن أكل مال الغير ليس بمباح .
وأما الحديث فظاهر قوله : عليه الصلاة والسلام { } غير معمول به ; لأن اليد بمعنى الجارحة ليس بمراد بالإجماع فلإن حملها على القبض ; لأنها آلة القبض فنحن نحملها على التعيين ; لأنها آلة التعيين ; لأن الإشارة باليد سبب التعيين . يدا بيد
وعندنا التعيين شرط فسقط احتجاجه بالحديث بحمد الله تعالى على أن الحمل على ما قلنا أولى ; لأن فيه توفيقا بين الكتاب والسنة ، وهكذا نقول في الصرف : إن الشرط هناك هو التعيين لا نفس القبض إلا أنه قام الدليل عندنا أن الدراهم والدنانير لا تتعين بالتعيين وإنما تتعين بالقبض فشرطنا التقابض للتعيين لا للقبض ، وههنا التعيين حاصل من غير تقابض فلا يشترط التقابض والله عز وجل أعلم ، وقوله : المقبوض خير من غير المقبوض ، فيتحقق الربا قلنا : هذا إنما يستقيم أن لو قلنا بوجوب تسليم أحدهما دون الآخر وليس كذلك .