ولو فهذا لا يخلو إما أن يكون المشتري قبض المبيع ، وإما أن يكون لم يقبض ، فإن كان لم يقبضه كان له حق الحبس في الفصول كلها ; لأنه تبين أنه ما استوفى حقه ، وإن كان قبضه المشتري ينظر إن كان قبضه بغير إذن البائع فللبائع أن يسترده في الفصول كلها لما قلنا ، وكذلك إن كان المشتري تصرف في المبيع فللبائع أن يفسخ تصرفه ، ويسترد المبيع إلا إذا كان تصرفا لا يحتمل الفسخ فلا يفسخ ، ويطالب المشتري بالثمن فلو نقد المشتري الثمن فوجده البائع زيوفا أو ستوقا أو مستحقا أو وجد بعضه كذلك لا يفسخ ; لأنه لما نقد الثمن فقد بطل حقه في الحبس فبطل حق الفسخ ، والاسترداد ، وإن كان قبضه بإذن البائع ينظر إن وجده زيوفا فردها لا يملك استرداد المبيع عند نقد المشتري الثمن قبل أن يفسخ التصرف الذي يحتمل الفسخ أصحابنا الثلاثة ، وعند له أن يسترد ، وهو قول زفر . أبي يوسف
( وجه ) قول : أن البائع ما رضي بزوال حق الحبس إلا بوصول حقه إليه ، وحقه في الثمن السليم لا في المعيب فإذا وجده معيبا فلم يسلم له حقه فكان له أن يسترد المبيع حتى يستوفي حقه كالراهن إذا قضى دين المرتهن ، وقبض الرهن ثم إن زفر كان له أن يرده ، ويسترد الرهن لما قلنا كذا هذا . المرتهن وجد المقبوض زيوفا
( ولنا ) : أن البائع يسلم المبيع بعد استيفاء جنس حقه فلا يملك الاسترداد بعد ما استوفى حقه ، ودلالة ذلك أن الزيوف جنس حقه من حيث الأصل ، وإنما الفائت صفة الجودة بدليل أنه لو تجوز به في الصرف ، والسلم جاز ، ولو لم يكن من جنس حقه لما جاز ; لأنه يكون استبدالا ببدل الصرف ، والسلم ، وأنه لا يجوز ، وإذا كان المقبوض جنس حقه فتسلم المبيع بعد استيفاء جنس الحق يمنع من الاسترداد بخلاف الرهن ; لأن الارتهان استيفاء لحقه من الرهن ، والافتكاك إيفاء من مال آخر فإذا وجد زيوفا تبين أنه استوفى حقه [ ص: 252 ] فكان له ولاية الاسترداد .
أنه لو أعار المبيع المشتري بطل حق الحبس حتى لا يملك استرداده ، ولو أعار المرهون الراهن لا يبطل حق الحبس ، وله أن يسترده فإن وجده ستوقا أو رصاصا أو مستحقا ، وأخذ منه له أن يرد بخلاف الزيوف ; لأن البائع إنما أذن للمشتري بالقبض على أنه استوفى حقه ، وتبين أنه لم يستوف أصلا ، ورأسا ; لأن الستوق ، والرصاص ليسا من جنس حقه ألا ترى : أنه لو تجوز بها في الصرف ، والسلم لا يجوز ، وإن كان الإذن بالقبض على تقدير استيفاء الحق وقد تبين أنه لم يستوف فتبين أنه لم يكن آذنا له بالقبض ، ولا راضيا به فكان له ولاية الاسترداد . والدليل على التفرقة بين الرهن ، والبيع
ولو كان المشتري تصرف فيه فلا سبيل للبائع عليه سواء كان تصرفا يحتمل الفسخ كالبيع ، والرهن ، والإجارة ، ونحوها أو لا يكون كالإعتاق ، ونحوه ، بخلاف ما إذا قبضه بغير إذن البائع قبل نقد الثمن ، وتصرف فيه تصرفا يحتمل الفسخ أنه يفسخ ، ويسترد ; لأن هناك لم يوجد الإذن بالقبض فكان التصرف في المبيع إبطالا لحقه فيرد عليه إذا كان محتملا للرد ، وههنا وجد الإذن بالقبض ، فكان تصرف المشتري حاصلا عن تسليط البائع فنفذ ، وبطل حقه في الاسترداد كالمقبوض على وجه البيع الفاسد إذا تصرف فيه المشتري أنه يبطل حق البائع في الفسخ إلا أن في تفسخ الإجارة ، وههنا لا تفسخ ; لأن الإجارة تفسخ بالعذر ، وقد تحقق العذر في البيع الفاسد ; لأنه مستحق الفسخ حقا للشرع دفعا للفساد ، فجعل استحقاق الفسخ بسبب الفساد عذرا في فسخ الإجارة ، ولا فساد ههنا فلا عذر في الفسخ فلا يفسخ . البيع الفاسد إذا أجر المبيع
لما ذكرنا أن الزيوف من جنس حقه فصار بقبضها قابضا أصل حقه ، وكذا قبض الدراهم المستحقة ، وقع صحيحا ظاهرا ، واحتمال الإجازة بعد ظهور الاستحقاق ثابت أيضا ، والعتق بعد ثبوته ظاهرا لا يحتمل الفسخ بخلاف ما إذا وجدها ستوقا أو رصاصا ; لأن ذلك ليس من جنس حقه أصلا ، ورأسا فلم يوجد أو أبدل الكتابة فلا يعتق ، يحقق الفرق بينهما ولو كان مكان البيع كتابة فأدى المكاتب بدل الكتابة فعتق ثم وجد المولى المقبوض زيوفا أو مستحقا فالعتق ماض فإن وجده ستوقا أو رصاصا لا يعتق حنث في يمينه ، والله - عز وجل - أعلم . إذا حلف لا يفارق غريمة حتى يستوفي حقه فقبض ثم وجد المقبوض بعد الافتراق زيوفا أو مستحقا فرد الزيوف أو أخذ المالك المستحقة بر في يمينه ، وإن وجده ستوقا أو رصاصا