وأما : قال الوكيل : بالبيع الفاسد فهل يملك البيع الصحيح أبو حنيفة - رحمهما الله - يملك وقال وأبو يوسف : لا يملك وبه أخذ محمد - رحمه الله - . الشافعي
( وجه ) قول أن البيع الفاسد بيع لا يفيد الحكم بنفسه ، والصحيح يفيد الحكم بنفسه ، فكانا مختلفين ، فلا يكون التوكيل بأحدهما توكيلا بالآخر . محمد
فإذا باع بيعا صحيحا صار مخالفا ( ولهما ) أن هذا ليس بخلاف حقيقة ; لأن البيع الصحيح خير ، وكل موكل بشيء موكل بما هو خير منه دلالة ، والثابت دلالة كالثابت نصا ، فكان آتيا بما وكل به فلا يكون مخالفا .
( وأما ) الوكيل بالشراء فالتوكيل بالشراء لا يخلو إما أن كان مطلقا أو كان مقيدا ، فإن كان مقيدا يراعى فيه القيد إجماعا لما ذكرنا ، سواء كان القيد راجعا إلى المشترى أو إلى الثمن ، حتى إنه إذا خالف يلزم الشراء إلا إذا كان خلافا إلى خير فيلزم الموكل ، مثال الأول : إذا ، لا ينفذ على الموكل ، وينفذ على الوكيل . قال : اشتر لي جارية ; أطؤها ، أو أستخدمها أو أتخذها أم ولد ، فاشترى جارية مجوسية أو أخته من الرضاع أو مرتدة أو ذات زوج
وكذلك إذا ; لأن الأصل في كل مقيد اعتبار القيد فيه إلا قيدا لا يفيد اعتباره ، واعتبار هذا النوع من القيد مفيد وكذلك إذا قال : اشتر لي جارية تركية ، فاشترى جارية حبشية ، لا يلزم الموكل ويلزم الوكيل لما ذكرنا . قال : اشتر لي جارية تخدمني ، فاشترى جارية مقطوعة اليدين أو الرجلين أو عمياء
ومثال الثاني إذا ، تلزم الوكيل دون الموكل ; لأنه خالف أمر الموكل ، فيصير مشتريا لنفسه . قال : له اشتر لي جارية بألف درهم ، فاشترى جارية بأكثر من الألف
ولو ، لا تلزم الموكل إجماعا ; لأن الجنس مختلف ، فيكون مخالفا ولو قال : اشتر لي جارية بألف درهم ، أو بمائة دينار ، فاشترى جارية بما سوى الدراهم والدنانير ذكر قال : اشتر لي هذه الجارية بمائة دينار ، فاشتراها بألف درهم ، قيمتها مائة دينار أن المشهور من قول الكرخي أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يلزم الموكل ; لأن الدراهم والدنانير جنسان مختلفان حقيقة ، فكان التقييد بأحدهما مفيدا . ومحمد
وروى عن الحسن أنه يلزم الموكل ، كأنه اعتبرهما جنسا واحدا في الوكالة كما اعتبرا جنسا واحدا في الشفعة ، وهو أن أبي حنيفة ، صح التسليم . الشفيع إذا أخبر أن الدار بيعت بدنانير فسلم الشفعة ، ثم ظهر أنها بيعت بدراهم وقيمتها مثل الدنانير
كذا ههنا فإن اشترى جارية بألف درهم ، فإن كان مثلها يشترى بألف أو بأكثر من ألف أو بأقل من ألف مقدار ما يتغابن الناس فيه فيلزم الموكل .
وإن كان النقصان مقدار ما لا يتغابن الناس فيه لزم الوكيل ; لأن شراء الوكيل معروف .
; لأن الخلاف إلى خير لا يكون خلافا معنى . وإن اشترى جارية بثمانمائة درهم ، ومثلها يشترى بألف ، لزم الموكل
وكذا ، لزم الوكيل ; لأنه خالف قيد الموكل . إذا وكله بأن يشتري له جارية بألف نسيئة ، فاشترى جارية بألف حالة
ولو ، لزم الموكل ; لأنه وإن خالف صورة فقد وافق معنى والعبرة للمعنى ، لا للصورة . أمره أن يشتري بألف حالة فاشترى بألف نسيئة
ولو وكله أن يشتري ويشترط الخيار للموكل فاشترى بغير خيار ، لزم الوكيل .
والأصل أن الوكيل بالشراء إذا خالف يكون مشتريا لنفسه ، والوكيل بالبيع إذا خالف يتوقف على إجازة الموكل ، والفرق بينهما قد ذكرناه فيما تقدم أن الوكيل بالشراء متهم ; لأنه يملك الشراء لنفسه فأمكن تنفيذه عليه ، حتى إنه لو كان صبيا محجورا أو عبدا محجورا لا ينفذ عليه بل يتوقف على إجازة الموكل ; لأنهما لا يملكان الشراء لأنفسهما ، فلا يمكن التنفيذ عليهما فتوقف ، وكذا إذا كان الوكيل مرتدا ، أو كان وكيلا بشراء عبد بعينه ، فاشترى نصفه لعدم إمكان التنفيذ عليه ، فاحتمل التوقف ; ومعنى التهمة لا يتعذر من الوكيل بالبيع فاحتمل التوقف على الإجازة .
ولو وكله بشراء عبد فاشتراه بعين من أعيان مال الموكل توقف على الإجازة ; لأنه لما اشتراه بعين من أعيان ماله ، فقد باع العين ، والبيع يقف على إجازة الموكل هذا إذا كان التوكيل بالشراء مقيدا .
فأما إذا كان مطلقا فإنه يراعى فيه الإطلاق ما أمكن ، إلا إذا قام دليل التقييد من عرف أو غيره ، فيتقيد به ، وعلى هذا إذا وكل رجلا بشراء جارية وسمى نوعها وثمنها حتى صحت الوكالة فاشترى جارية مقطوعة اليد والرجل من خلاف ، أو عوراء ، لزم الموكل ، وكذا إذا اشترى جارية مقطوعة اليدين أو الرجلين أو عمياء عند ، وعندهما يلزم الوكيل ( وجه ) قولهما أن الجارية تشترى للاستخدام عرفا وعادة [ ص: 30 ] وغرض الاستخدام لا يحصل عند فوات جنس المنفعة ، فيتقيد بالسلامة عن هذه الصفة بدلالة العرف ، ولهذا قلنا : لا يجوز تحريرها عن الكفارة وإن كان نص التحرير مطلقا عن شرط السلامة لثبوتها دلالة كذا هذا . أبي حنيفة
( وجه ) قول : أن اسم الجارية بإطلاقها يقع على هذه الجارية كما يقع على سليمة الأطراف ، فلا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل وقد وجد . أبي حنيفة
( وأما ) في باب الكفارة فلأن الأمر تعلق بتحرير رقبة ، والرقبة اسم لذات مركب من هذه الأجزاء ، فإذا فات ما يقوم به جنس من منافع الذات ، انتقض الذات فلا يتناوله مطلق اسم الرقبة فأما اسم الجارية فلا يدل على هذه الذات باعتبار الأجزاء ، فلا يقدح نقصانها في اسم الجارية ، بخلاف اسم الرقبة حتى إن التوكيل لو كان بشراء رقبة لا يجوز كما لا يجوز في الكفارة كذا قالوا .
ولو وكله أن يشتري له جارية وكالة صحيحة ، ولم يسم ثمنا ، فاشترى الوكيل جارية ، إن اشترى بمثل القيمة أو بأقل من القيمة أو بزيادة يتغابن في مثلها جاز على الموكل ، وإن اشترى بزيادة لا يتغابن الناس في مثلها يلزم الوكيل ; لأن الزيادة القليلة مما لا يمكن التحرز عنها فلو منعت النفاذ على الموكل لضاق الأمر على الوكلاء ولامتنعوا عن قبول الوكالات وبالناس حاجة إليها ، فمست الحاجة إلى تحملها ولا ضرورة في الكثير لإمكان التحرز عنه ، والفاصل بين القليل والكثير إن كانت زيادة تدخل تحت تقويم المقومين فهي قليلة ، وما لا تدخل تحت تقويمهم فهي كثيرة ; لأن ما يدخل تحت تقويم المقومين ، لا يتحقق كونه زيادة وما لا يدخل كانت زيادته متحققة ، وقدر الزيادة القليلة التي يتغابن في مثلها في الجامع بنصف العشر فقال : إن كانت نصف العشر أو أقل فهي مما يتغابن في مثلها ، وإن كانت أكثر من نصف العشر فهي مما لا يتغابن في مثلها ، وقال محمد الجصاص ما ذكره ، لم يخرج مخرج التقدير في الأشياء كلها ; لأن ذلك يختلف باختلاف السلع . محمد
منها ما يعد أقل من ذلك غبنا فيه ، ومنها ما لا يعد أكثر من ذلك غبنا فيه ، وقدر نصر بن يحيى : القليل بالده ينم وفي الحيوان بالده يازده وفي العقار بالده دوازده ، والله - تعالى - أعلم .