( فصل ) : 
وأما الذي يرجع إلى الموقوف فأنواع : ( منها ) أن يكون مما لا ينقل ولا يحول كالعقار ونحوه ، فلا يجوز وقف المنقول  مقصودا لما ذكرنا أن التأبيد شرط جوازه ، ووقف المنقول لا يتأبد لكونه على شرف الهلاك ، فلا يجوز وقفه مقصودا إلا إذا كان تبعا للعقار ، بأن وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيده فيجوز ، كذا قاله  أبو يوسف  ، وجوازه تبعا لغيره لا يدل على جوازه مقصودا كبيع الشرب ومسيل الماء ، والطريق أنه لا يجوز مقصودا ويجوز تبعا للأرض والدار ، وإن كان شيئا جرت العادة بوقفه ، كوقف المر والقدوم لحفر القبور ، ووقف المرجل لتسخين الماء ، ووقف الجنازة وثيابها . 
ولو وقف أشجارا قائمة  ، فالقياس أن لا يجوز ; لأنه وقف المنقول ، وفي الاستحسان يجوز لتعامل الناس ذلك ، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، ولا يجوز وقف الكراع والسلاح في سبيل الله تعالى  عند  أبي حنيفة  لأنه منقول وما جرت العادة به ، وعند  أبي يوسف   ومحمد  يجوز ، ويجوز عندهما بيع ما هرم منها ، أو صار بحال لا ينتفع به فيباع ويرد ثمنه في مثله ، كأنهما تركا القياس في الكراع والسلاح بالنص ، وهو ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال { أما  خالد  فقد احتبس أكراعا وأفراسا في سبيل الله تعالى   } ولا حجة لهما في الحديث ; لأنه ليس فيه أنه وقف ذلك فاحتمل قوله : حبسه ، أي أمسكه للجهاد لا للتجارة ( وأما ) وقف الكتب  فلا يجوز على أصل  أبي حنيفة    ( وأما ) على قولهما فقد اختلف المشايخ فيه ، وحكي عن نصر بن يحيى  أنه وقف كتبه على الفقهاء من أصحاب  أبي حنيفة    ( ومنها ) أن يكون الموقوف مقسوما عند  محمد  فلا يجوز وقف المشاع ،  وعند  أبي يوسف  هذا ليس بشرط ، ويجوز مقسوما كان أو مشاعا ; لأن التسليم شرط الجواز عند  محمد  ، والشيوع يخل بالقبض والتسليم ، وعند  أبي يوسف  التسليم ليس بشرط أصلا ، فلا يكون الخل فيه مانعا ، وقد روي عن سيدنا  عمر  رضي الله عنه أنه ملك مائة سهم بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : { احبس أصلها   } فدل على أن الشيوع لا يمنع صحة الوقف ، وجواب  محمد  رحمه الله يحتمل أنه وقف مائة سهم قبل القسمة ، ويحتمل أنه بعدها ، فلا يكون حجة مع الشك والاحتمال ، على أنه إن ثبت أن الوقف كان قبل القسمة ، فيحمل أنه وقفها شائعا ثم قسم وسلم ، وقد روي أنه فعل كذلك ، وذلك جائز كما لو وهب مشاعا ثم قسم وسلم . 
				
						
						
