( فصل ) : 
وأما قدر التعزير  فإنه إن وجب بجناية ليس من جنسها ما يوجب الحد ، كما إذا قال لغيره : يا فاسق ، يا خبيث ، يا سارق ، ونحو ذلك - فالإمام فيه بالخيار إن شاء عزره بالضرب ، وإن شاء بالحبس ، وإن شاء بالكهر والاستخفاف بالكلام ، وعلى هذا يحمل قول سيدنا  عمر  رضي الله عنه  لعبادة بن الصامت    : يا أحمق 
أن ذلك كان على سبيل التعزير منه إياه ، لا على سبيل الشتم ، إذ لا يظن ذلك من مثل سيدنا  عمر  رضي الله عنه لا بأحد فضلا عن الصحابي ، ومن مشايخنا من رتب التعزير على مراتب الناس ، فقال : التعازير على أربعة مراتب : تعزير الأشراف ، وهم الدهاقون والقواد ، وتعزير أشراف الأشراف وهم العلوية والفقهاء ، وتعزير الأوساط : وهم السوقة ، وتعزير الأخساء : وهم السفلة . 
فتعزير أشراف الأشراف بالإعلام المجرد ، وهو أن يبعث القاضي أمينه إليه فيقول له : بلغني أنك تفعل كذا وكذا ، وتعزير الأشراف بالإعلام والجر إلى باب القاضي والخطاب بالمواجهة ، وتعزير الأوساط بالإعلام والجر والحبس ، وتعزير السفلة بالإعلام والجر والضرب والحبس ; لأن المقصود من التعزير هو الزجر ، وأحوال الناس في الانزجار على هذه المراتب ، وإن وجب بجناية في جنسها الحد لكنه لم يجب ; لفقد شرطه كما إذا قال لصبي أو مجنون : يا زاني ، أو لذمية أو أم ولد : يا زانية ، فالتعزير فيه بالضرب ويبلغ أقصى غاياته ، وذلك تسعة وثلاثون في قول  أبي حنيفة    - عليه الرحمة ، وعند  أبي يوسف  خمسة وسبعون وفي رواية النوادر عنه تسعة وسبعون ، وقول  محمد  عليه الرحمة مضطرب ذكره الفقيه  أبو الليث    - رحمه الله - والحاصل أنه لا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم أنه لا يبلغ التعزير الحد ; لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين   } إلا أن  أبا يوسف  رحمه الله صرف الحد المذكور في الحديث على الأحرار . 
وزعم أنه الحد الكامل لا حد المماليك ; لأن ذلك بعض الحد وليس بحد كامل ، ومطلق الاسم ينصرف إلى الكامل في كل باب ; ولأن الأحرار هم المقصودون في الخطاب ، وغيرهم ملحق بهم فيه ، ثم قال في رواية ينقص منها سوط ، وهو الأقيس ; لأن ترك التبليغ يحصل به ، وفي رواية قال : ينتقص منها خمسة . 
وروي ذلك أثرا عن سيدنا  علي  رضي الله عنه أنه قال : يعزر خمسة وسبعين قال  أبو يوسف    - رحمه الله - فقلدته في نقصان الخمسة واعتبرت عنه أدنى الحدود . 
وروي عنه أنه قال : أخذت كل نوع من بابه ، وأخذت التعزير في اللمس والقبلة من حد الزنا ، والقذف بغير الزنا من حد القذف ; ليكون إلحاق كل نوع ببابه ،  وأبو حنيفة  صرفه إلى حد المماليك وهو أربعون ; لأنه ذكر حدا منكرا فيتناول حدا ما ، وأربعون حد كامل في المماليك فينصرف إليه ; ولأن في الحمل على هذا الحد أخذا بالثقة والاحتياط ; لأن اسم الحد يقع على النوعين ، فلو حملناه على ما قاله  أبو حنيفة  يقع الأمن عن وعيد التبليغ ; لأنه لا يبلغ ، ولو حملناه على ما قاله  أبو يوسف    - لا يقع الأمن عنه ; لاحتمال أنه أراد به حد المماليك فيصير مبلغا غير الحد - الحد ; فيلحقه الوعيد فكان الاحتياط فيما قاله  أبو حنيفة    - رحمه الله - والله تعالى الموفق . 
				
						
						
