وأما الغنيمة فالكلام فيها في مواضع في تفسير الغنيمة ، وفي بيان ما يملكه الإمام من التصرف في الغنائم ، وفي بيان مكان قسمة الغنائم ، وفي بيان ما يباح الانتفاع به من الغنائم ، وفي بيان كيفية قسمة الغنائم ، وفي بيان مصارفها أما .
الأول : فالغنيمة عندنا اسم للمأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة ، والأخذ على سبيل القهر والغلبة لا يتحقق إلا بالمنعة إما بحقيقة المنعة ، أو بدلالة المنعة ، وهي إذن الإمام وعند - رحمه الله - هي اسم للمأخوذ من أهل الحرب كيف ما كان ولا يشترط له المنعة أصلا ، وبيان ذلك في مسائل إذا الشافعي فإنها تقسم قسمة الغنائم بالإجماع . دخل جماعة لهم منعة دار الحرب فأخذوا أموالا منهم ،
سواء دخلوا بإذن الإمام ، أو بغير إذنه ; لوجود الأخذ على سبيل القهر والغلبة ; لوجود المنعة القائمة مقام المقاتلة حقيقة ، وأقل المنعة أربعة في ظاهر الرواية ; لقوله عليه الصلاة والسلام { } وروي عن خير الأصحاب أربعة أنها تسعة ولو دخل من لا منعة له بإذن الإمام ، كان المأخوذ غنيمة في ظاهر الرواية عن أصحابنا ; لوجود المنعة دلالة على ما [ ص: 118 ] نذكره ولو دخل بغير إذن الإمام لم يكن غنيمة عندنا ; لانعدام المنعة أصلا ، وعند أبي يوسف - رحمه الله - يكون غنيمة . الشافعي
والصحيح قولنا ; لأن الغنيمة والغنم والمغنم في اللغة اسم لمال أصيب من أموال أهل الحرب ، وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب .
وكذا إشارة النص دليل عليه وهي قوله - سبحانه وتعالى - { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } أشار - سبحانه وتعالى - إلى أنه ما لم يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب لا يكون غنيمة ، وإصابة مال أهل الحرب بإيجاف الخيل والركاب لا يكون إلا بالمنعة ، إما حقيقة أو دلالة ; لأن من لا منعة له لا يمكنه الأخذ على طريق القهر والغلبة ، فلم يكن المأخوذ غنيمة بل كان مالا مباحا ، فيختص به الآخذ كالصيد ، إلا إن أخذاه جميعا فيكون المأخوذ بينهما كما لو أخذا صيدا ، أما عند وجود المنعة فيتحقق الأخذ على سبيل القهر والغلبة .
أما حقيقة المنعة فظاهرة ، وكذا دلالة المنعة وهي إذن الإمام ; لأنه لما أذن له الإمام بالدخول فقد ضمن له المعونة بالمدد والنصرة عند الحاجة ، فكان دخوله بإذن الإمام امتناعا بالجيش الكثيف معنى ، فكان المأخوذ مأخوذا على سبيل القهر والغلبة فكان غنيمة ، فهو الفرق ولو اجتمع فريقان أحدهما دخل بإذن الإمام ، والآخر بغير إذنه ولا منعة لهم ، فالحكم في كل فريق عند الاجتماع ما هو الحكم عند الانفراد ، أنه إن تفرد كل فريق بأخذ شيء فلكل فريق ما أخذ ، كما لو انفرد كل فريق بالدخول ، فأخذ شيئا فإن اشترك الفريقان في الأخذ ، فالمأخوذ بينهم على عدد الآخذين ، ثم ما أصاب المأذون لهم بخمس ويكون أربعة أخماسه بينهم مشتركة فيه الآخذ وغير الآخذ ; لأنه غنيمة ، وهذا سبيل الغنائم ، وما أصاب الذين لم يؤذن لهم لا خمس فيه ، فيكون بين الآخذين ، ولا يشاركهم الذين لم يأخذوا ; لأنه مال مباح .
وهذا حكم المال المباح على ما بينا هذا إذا لهم ، فأما إذا اجتمعا وكان لهم باجتماعهم منعة ، فما أصاب واحدا منهم أو جماعتهم بخمس ، وأربعة أخماسه بينهم ; لأن المأخوذ غنيمة لوجود المنعة ، فكان وجود الإذن وعدمه بمنزلة واحدة ، ولو كان الذين دخلوا بإذن الإمام لهم منعة ، ثم لحقهم لص أو لصان لا منعة لهما بغير إذن الإمام ثم لقوا قتالا وأصابوا مالا وأصابوا غنائم ، فما أصاب العسكر قبل أن يلحقهم اللص ، فإن هذا اللص لا يشاركهم فيه ، وما أصابوه بعد أن لحق هذا اللص بهم فإنه يشاركهم ; لأن الإصابة قبل اللحاق حصلت بقتال العسكر حقيقة ، وكذلك الإحراز بدار الإسلام ; لأن لهم غنية عن معونة اللص فكان دخوله في الاستيلاء على المصاب قبل اللحاق وعدمه بمنزلة واحدة ، ولا يشبه هذا الجيش إذا لحقهم المدد أنه يشاركهم فيما أصابوا ; لأن الجيش يستعين بالمدد لقوتهم ، فكان الإحراز حاصلا بالكل . اجتمع فريقان ولا منعة
وكذلك الإصابة بعد اللحوق حصلت باستيلاء الكل ، لذلك شاركهم بخلاف اللص والله - تعالى - أعلم - .