وكذلك لو أنها إن اسودت فلا قصاص فيها لتعذر استيفاء المثل ، وهو الكسر المسود ، وإن سقطت فكذلك في قول ضرب سن إنسان فتكسر بعضها وتحرك الباقي واستوفى حولا - رحمه الله ، وفيها الأرش لعدم إمكان استيفاء المثل ، وهو الكسر المسقط ، فيجب فيها الأرش . أبي حنيفة
وقال فيها القصاص كما قال في الأصبع إذا قطعت الكف . أبو يوسف
ولو شج إنسانا موضحة متعمدا فذهب منها بصره فلا قصاص في قول ، وفيها وفي البصر الأرش وقالا في الموضحة القصاص وفي البصر الدية ، هذه رواية الجامع الصغير عن أبي حنيفة . محمد
وروى في نوادره عنه أن فيهما جميعا القصاص . ابن سماعة
وجه هذه الرواية أنه تولد من جناية العمد إلى عضو يمكن فيه القصاص فيجب فيه القصاص كما إذا سرى إلى النفس وجه ظاهر قولهما أن تلف البصر حصل من طريق التسبيب لا من طريق السراية بدليل أن الشجة تبقى بعد ذهاب البصر ، وحدوث السراية يوجب تغير الجناية كالقطع إذا سرى إلى النفس أنه لا يبقى قطعا بل يصير قتلا ، وهنا الشجة لم تتغير بل بقيت شجة كما كانت فدل أن ذهاب البصر ليس من طريق السراية بل من طريق التسبيب ، والجناية بطريق التسبيب لا توجب القصاص كما في حفر البئر ونحو ذلك .
ولو ذهبت عيناه ولسانه وسمعه وجماعه فلا قصاص في شيء من ذلك على أصل رضي الله عنه وعلى قولهما في الموضحة القصاص ولا قصاص في العينين في ظاهر قولهما بل فيهما الأرش ، وعلى رواية النوادر عن أبي حنيفة فيهما القصاص دون اللسان والسمع والجماع لأنه لا يمكن فيهما القصاص إذ لا قصاص في ذهاب منفعة اللسان والسمع والجماع في الشرع ، وفي ذهاب البصر قصاص في الشريعة . محمد
ولو ضربه بعصا فأوضحه ثم عاد فضربه أخرى إلى جنبها ثم تآكلتا حتى صارت واحدة فهما موضحتان ولا قصاص فيهما ، أما على أصل رحمه الله [ ص: 308 ] فلعدم إمكان استيفاء المثل ، وهما شجتان موضحتان تأكل بينهما ( وأما ) على أصلهما فلأن ما تأكل بين الموضحتين تلف بسبب الجراحة ، والإتلاف تسبيبا لا يوجب القصاص ، والله سبحانه وتعالى الموفق . أبي حنيفة
ولا قصاص في العين إذا قورت أو فسخت لأنا إذا فعلنا ما فعل ، وهو التقوير والفسخ لا يمكن استيفاء المثل إذ ليس له حد معلوم ، وإن أذهبنا ضوءه فلم نفعل مثل ما فعل فتعذر الاستيفاء بصفة المماثلة فامتنع الوجوب وصار كمن أنه لا يجب القصاص لأنه لا سبيل إلى القطع من الساعد ولا من الزند لما قلنا فامتنع الوجوب ، كذا هذا . قطع يد إنسان من الساعد
وإن ضرب عليها فذهب ضوءها مع بقاء الحدقة على حالها لم تنخسف ففيها القصاص لقوله تبارك وتعالى { العين بالعين } ولأن القصاص على سبيل المماثلة ممكن بأن يجعل على وجهه القطن المبلول ، وتحمى المرآة ، وتقرب من عينه حتى يذهب ضوءها ، وقيل أول من اهتدى إلى ذلك سيدنا رضي الله عنه وأشار إلى ما ذكرنا فإنه روي أنه وقعت هذه الحادثة في زمن سيدنا علي رضي الله عنه فجمع الصحابة الكرام رضي الله عنهم وشاورهم في ذلك فلم يكن عندهم حكمها حتى جاء سيدنا عثمان رضي الله عنه وأشار إلى ما ذكرنا فلم ينكر عليه أحد فقضى به سيدنا علي بمحضر من الصحابة الكرام رضي الله عنهم فيكون إجماعا ، وإن انخسفت فلا قصاص لأن الثاني قد لا يقع خاسفا بها فلا يكون مثل الأول . عثمان
وروي عن أنه لا قصاص في عين الأحول ; لأن الحول نقص في العين فيكون استيفاء الكامل بالناقص فلا تتحقق المماثلة ، ولهذا لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء ، كذا هذا ولا قصاص في الأشفار والأجفان لأنه لا يمكن استيفاء المثل فيها ( وأما ) الأذن فإن استوعبها ففيها القصاص لقوله تبارك وتعالى { أبي يوسف ، والأذن بالأذن } ولأن استيفاء المثل فيها ممكن فإن قطع بعضها فإن كان له حد يعرف ففيه القصاص ، وإلا فلا ( وأما ) الأنف فإن قطع المارن ففيه القصاص بلا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله لقوله سبحانه وتعالى { ، والأنف بالأنف } ولأن استيفاء المثل فيه ممكن ; لأن له حدا معلوما ، وهو ما لان منه فإن قطع بعض المارن فلا قصاص فيه لتعذر استيفاء المثل ، وإن قطع قصبة الأنف فلا قصاص فيه لأنه عظم ، ولا قصاص في العظم ولا في السن لما نذكر إن شاء الله تعالى .
وقال إن استوعب ففيه القصاص وقال أبو يوسف لا قصاص فيه وإن استوعب . محمد
ولا خلاف بينهما في الحقيقة ; لأن أراد استيعاب المارن ، وفيه القصاص بلا خلاف ، أبا يوسف ومحمد - رحمه الله - أراد به استيعاب القصبة ، ولا قصاص فيها بلا خلاف .