( وأما ) ففيها حكومة العدل ، وإن لم يبق لها أثر فلا شيء فيها في قول سائر جراح البدن إذا برئت وبقي لها أثر رضي الله عنه على ما بينا في الشجة ، وإن مات أبي حنيفة فإن كانت من واحد ففيها القصاص إن كانت عمدا ، والدية إن كانت خطأ . فالجراحة لا تخلو ( إما ) أن كانت من واحد ( وإما ) أن كانت من عدد
وإن كانت من عدد فالجراحة المجتمعة من أعداد ( إما ) أن كانت كلها مضمونة ( وإما ) إن كان بعضها مضمونا والبعض غير مضمون فإن كان الكل مضمونا بأن جرحه رجل جراحة وجرحه آخر جراحة أخرى خطأ فمات من ذلك كله كانت الدية عليهما نصفين ، وسواء جرحه أحدهما جراحة واحدة ، والآخر جرحه جراحتين أو أكثر لا ينظر إلى عدد الجراحات وإنما ينظر إلى الجارح ; لأن الإنسان قد يموت من جراحة واحدة ويسلم من عشرة ، وقد يموت من عشرة ويسلم من واحدة حتى لو كانت الدية بينهما نصفين لما قلنا . جرحه أحدهما جراحة واحدة والآخر عشر جراحات فمات من ذلك
وكذلك إذا جرحه رجل جراحة واحدة وجرحه آخر جراحتين ، وآخر ثلاثا فمات من ذلك كله كانت الدية بينهم أثلاثا لما قلنا ، وعلى هذا يخرج ما إذا أن على صاحب الجراحة الواحدة نصف الدية ، وعلى صاحب العشرة الربع ، ويسقط الربع لأنه لما سقط اعتبار عدد الجراحات كانت الجراحة الواحدة كالعشر في الضمان ثم لما عفا عن واحدة من الجراحات العشر انقسمت العشر فيتغير حكمها فصار لتسعة منها الربع وللواحدة الربع فسقط بالعفو عن الواحدة من العشرة الربع وبقي الربع تبعا للتسعة . جرحه رجل جراحة واحدة وجرحه آخر عشر جراحات فعفا المجروح للجارح عن جراحة واحدة من العشر وما يحدث منها ثم مات من ذلك
وإن كان البعض مضمونا ، والبعض غير مضمون ينقسم الضمان فيسقط بقدر ما ليس بمضمون ويبقى بقدر المضمون ، وعلى هذا يخرج ما على الرجل نصف الدية ، ونصفها هدر لأنه مات بجراحتين إحداهما مضمونة والأخرى ليست بمضمونة فانقسم الضمان فسقط بقدر غير المضمون وبقي بقدر المضمون . إذا جرح رجلا جراحة وجرحه سبع فمات من ذلك
وكذلك أنه يجب على الرجل نصف الدية ويهدر النصف لأنه لا عبرة لكثرة الجراحة لما بينا . لو جرحه الرجل جراحتين والسبع جراحة واحدة أو جرحه السبع جراحتين والرجل جراحة واحدة فمات من ذلك
وكذلك فعلى الرجل نصف الدية ويهدر النصف ، والأصل أنه يجعل الجراحات التي ليس لها حكم يلزم أحدا كجراحة واحدة ، ويصير كأنه مات من جراحتين إحداهما مضمونة والأخرى غير مضمونة فيلزم الرجل نصف الدية ويبطل نصفها ، سواء كثر عدد الهدر أو قل ، هو كجراحة واحدة ; لأن الهدر له حكم واحد فصار كجراحات الرجل الواحد إنها في الحكم كجراحة واحدة ، كذا هذا وكذلك لو جرحه رجل جراحة وجرحه آخر جراحة أخرى ثم انضم إلى ذلك شيء مما ذكرنا أنه لا حكم له يلزم فاعله فإن على كل رجل ثلث الدية ، ويهدر الثلث لما ذكرنا أن الهدر من الجراحات وإن كثر فهو كجراحة واحدة ، وكل واحدة من جراحتي الرجلين مضمونة فقد مات من ثلاث جراحات جراحتان منها مضمونتان وجراحة هدر فتقسم الدية أثلاثا فيسقط قدر ما ليس بمضمون وهو الثلث ويبقى قدر المضمون وهو الثلثان فإن كان لبعض الجناة جنايات مختلفة الأحكام فإنه يقسم ما يخصه على جناياته بعد ما قسم عدد الجناية على أحكام الجنايات ، وذلك نحو لو جرحه رجل جراحة وعقره سبع ونهشته حية ، وخرج به خراج ، وأصابه حجر رمت به الريح فمات من ذلك ثم جرحه رجلان آخران كل واحد منهما جراحة ثم عقره سبع ثم نهشته حية ، وخرج به خراج فمات من ذلك كله تقسم الدية أرباعا ; لأن الموت حصل من أربع جنايات ; لأن الهدر من الجنايات لها حكم جناية واحدة ، وجراحتا المأمور وإن اختلف حكمهما فإنهما حصلا من رجل واحد فلا يثبت لهما في حق شركائه إلا حكم جناية واحدة فثبت أن الموت حصل من أربع جنايات فكانت قسمة الدية أرباعا ، هدر الربع منها وبقيت ثلاثة أرباع تقسم على الجنايات الثلاثة فيكون على كل واحد منهم الربع ثم ما أصاب المأمور بالقطع تقسم حصته ، وهي الربع على جراحتيه فإحداهما مضمونة ، وهي التي فعلها بغير أمر المجروح والأخرى غير مضمونة ، وهي التي فعلها بأمره ، وهي القطع فيسقط بقدر ما ليس بمضمون وهو نصف الربع وهو الثمن ، وبقي قدر ما هو مضمون وهو نصف الربع الآخر وهو الثمن الآخر ، والله سبحانه وتعالى أعلم . رجل أمر رجلا أن يقطع يده لعلة بها [ ص: 321 ] ثم إن المأمور جرح الآمر جراحة أخرى بغير أمره