( فصل ) :
وأما ركن الاعتكاف ومحظوراته وما يفسده وما لا يفسده : هو اللبث والإقامة يقال : اعتكف وعكف أي : أقام وقال الله تعالى { فركن الاعتكاف قالوا لن نبرح عليه عاكفين } أي : لن نزال عليه مقيمين ويقال : فلان معتكف على [ ص: 114 ] حرام أي : مقيم عليه فسمي من أقام على العبادة في المسجد : معتكفا وعاكفا .
وإذا عرف فنقول من الغائط والبول وحضور الجمعة ; لأن الاعتكاف لما كان لبثا وإقامة ; فالخروج يضاده ولا بقاء للشيء مع ما يضاده فكان إبطالا له وإبطال العبادة حرام ; لقوله تعالى { : لا يخرج المعتكف من معتكفه في الاعتكاف الواجب ليلا ولا ونهارا إلا لما لا بد له منه ولا تبطلوا أعمالكم } إلا أنا جوزنا له الخروج لحاجة الإنسان إذ لا بد منها وتعذر قضاؤها في المسجد فدعت الضرورة إلى الخروج ولأن في الخروج لهذه الحاجة تحقيق هذه القربة ; لأنه لا يتمكن المرء من أداء هذه القربة إلا بالبقاء ، ولا بقاء بدون القوت عادة ولا بد لذلك من الاستفراغ على ما عليه مجرى العادة فكان الخروج لها من ضرورات الاعتكاف ووسائله وما كان من وسائل الشيء ; كان حكمه حكم ذلك الشيء فكان المعتكف في حال خروجه عن المسجد لهذه الحاجة كأنه في المسجد وقد روي عن رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { عائشة } وكذا في الخروج في الجمعة ضرورة ; لأنها فرض عين ولا يمكن إقامتها في كل مسجد فيحتاج إلى الخروج إليها كما يحتاج إلى الخروج لحاجة الإنسان ; فلم يكن الخروج إليها مبطلا لاعتكافه وهذا عندنا . كان لا يخرج من معتكفه ليلا ولا نهارا إلا لحاجة الإنسان
وقال : إذا خرج إلى الجمعة ; بطل اعتكافه وجه قوله أن الخروج في الأصل مضاد للاعتكاف ومناف له لما ذكرنا أنه قرار وإقامة والخروج انتقال وزوال ; فكان مبطلا له إلا فيما لا يمكن التحرز عنه كحاجة الإنسان وكان يمكنه التحرز عن الخروج إلى الجمعة بأن يعتكف في المسجد الجامع ، ولنا أن إقامة الجمعة فرض ; لقوله تعالى { الشافعي يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } والأمر بالسعي إلى الجمعة أمر بالخروج من المعتكف .
ولو كان مبطلا للاعتكاف ; لما أمر به ; لأنه يكون أمرا بإبطال الاعتكاف وإنه حرام ; ولأن الجمعة لما كانت فرضا حقا لله تعالى عليه والاعتكاف قربة ليست هي عليه فمتى أوجبه على نفسه بالنذر ; لم يصح نذره في إبطال ما هو حق لله تعالى عليه ; بل كان نذره عدما في إبطال هذا الحق ولأن الاعتكاف دون الجمعة فلا يؤذن بترك الجمعة لأجله وقد خرج الجواب عن قوله : إن الاعتكاف لبث والخروج يبطله لما ذكرنا أن الخروج إلى الجمعة لا يبطله لما بينا . الخروج إلى الجمعة
وأما فذكر وقت الخروج إلى الجمعة ومقدار ما يكون في المسجد الجامع وقال : ينبغي أن يخرج إلى الجمعة عند الأذان فيكون في المسجد مقدار ما يصلي قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا وروى الكرخي عن الحسن بن زياد : مقدار ما يصلي قبلها أربعا وبعدها أربعا . أبي حنيفة
وهو على الاختلاف في سنة الجمعة بعدها أنها أربع في قول وعندهما : ستة على ما ذكرنا في كتاب الصلاة وقال أبي حنيفة : إذا كان منزله بعيدا يخرج حين يرى أنه يبلغ المسجد عند النداء وهذا أمر يختلف بقرب المسجد وبعده فيخرج في أي وقت يرى أنه يدرك الصلاة والخطبة ويصلي قبل الخطبة أربع ركعات ; لأن إباحة الخروج إلى الجمعة إباحة لها بتوابعها ، وسننها من توابعها بمنزلة الأذكار المسنونة فيها ولا ينبغي أن يقيم في المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة إلا مقدار ما يصلي بعدها أربعا أو ستا على الاختلاف ولو أقام يوما وليلة لا ينتقض اعتكافه ، لكن يكره له ذلك أما عدم الانتقاض فلأن الجامع لما صلح لابتداء الاعتكاف ; فلأن يصلح للبقاء أولى ; لأن البقاء أسهل من الابتداء وأما الكراهة ; فلأنه لما ابتدأ الاعتكاف في مسجد ; فكأنه عينه للاعتكاف فيه ، فيكره له التحول عنه مع إمكان الإتمام فيه محمد ; لأنه لا ضرورة إلى الخروج ; لأن عيادة المريض ليست من الفرائض ، بل من الفضائل وصلاة الجنازة ليست بفرض عين بل فرض كفاية تسقط عنه بقيام الباقين بها ; فلا يجوز إبطال الاعتكاف لأجلها وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرخصة في عيادة المريض وصلاة الجنازة ; فقد قال ولا يخرج لعيادة مريض ولا لصلاة جنازة : ذلك محمول عندنا على الاعتكاف الذي يتطوع به من غير إيجاب فله أن يخرج متى شاء ويجوز أن تحمل الرخصة على ما إذا كان خرج المعتكف لوجه مباح كحاجة الإنسان أو للجمعة ، ثم عاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن كان خروجه لذلك قصدا وذلك جائز . أبو يوسف
أما الإنسان ; لأن ذلك في حكم المسجد لها على ما بينا . المرأة إذا اعتكفت في مسجد بيتها لا تخرج منه إلى منزلها إلا لحاجة