فلا حج على المريض والزمن ، والمقعد ، والمفلوج ، والشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بنفسه ، والمحبوس ، والممنوع من قبل السلطان الجائر عن الخروج إلى الحج ; لأن الله تعالى شرط الاستطاعة لوجوب الحج ، والمراد منها استطاعة التكليف ، وهي سلامة الأسباب ، والآلات ، ومن جملة الأسباب سلامة البدن عن الآفات المانعة عن القيام بما لا بد منه في سفر الحج ; لأن الحج عبادة بدنية ، فلا بد من سلامة البدن ، ولا سلامة مع المانع ، وعن ومنها صحة البدن رضي الله عنه في قوله عز وجل : { ابن عباس من استطاع إليه سبيلا } أن السبيل أن يصح بدن العبد ، ويكون له ثمن زاد ، وراحلة من غير أن يحجب ، ولأن القرب ، والعبادات ، وجبت بحق الشكر لما أنعم الله على المكلف فإذا منع السبب الذي هو النعمة ، وهو سلامة البدن أو المال كيف يكلف بالشكر ، ولا نعمة .
وأما الأعمى فقد ذكر في الأصل عن : أنه لا حج عليه بنفسه ، وإن وجد زادا ، وراحلة ، وقائدا ، وإنما يجب في ماله إذا كان له مال ، وروى أبي حنيفة الحسن عن في الأعمى ، والمقعد والزمن أن عليهم الحج بأنفسهم ، وقال أبي حنيفة ، أبو يوسف : يجب على الأعمى الحج بنفسه إذا وجد زادا ، وراحلة ، ومن يكفيه مؤنة سفره في خدمته ، ولا يجب على الزمن ، والمقعد ، والمقطوع . ومحمد
وجه قولهما ما روي { } فسر صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد ، والراحلة ، وللأعمى هذه الاستطاعة فيجب عليه الحج ، ولأن الأعمى يجب عليه الحج بنفسه إلا أنه لا يهتدي إلى الطريق بنفسه ، ويهتدي بالقائد فيجب عليه بخلاف الزمن ، والمقعد ، ومقطوع اليد ، والرجل ; لأن هؤلاء لا يقدرون على الأداء بأنفسهم ، وجه رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطاعة ، فقال : هي الزاد ، والراحلة الحسن في الزمن ، والمقعد : أنهما يقدران بغيرهما إن كانا لا يقدران بأنفسهما ، والقدرة بالغير كافية لوجوب الحج كالقدرة بالزاد ، والراحلة .
وكذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الاستطاعة : بالزاد ، والراحلة ، وقد وجدا ، وجه رواية الأصل أن الأعمى لا يقدر على أداء الحج بنفسه ; لأنه لا يهتدي إلى الطريق بنفسه ، ولا يقدر على ما لا بد منه في الطريق [ ص: 122 ] بنفسه من الركوب ، والنزول ، وغير ذلك . لأبي حنيفة
وكذا الزمن ، والمقعد فلم يكونا قادرين على الأداء بأنفسهم بل بقدرة غير مختار ، والقادر بقدرة غير مختار لا يكون قادرا على الإطلاق ; لأن فعل المختار يتعلق باختياره ، فلم تثبت الاستطاعة على الإطلاق ، ولهذا لم يجب الحج على الشيخ الكبير الذي لا يستمسك على الراحلة ، وإن كان ثمة غيره يمسكه لما قلنا كذا هذا ، وإنما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد ، والراحلة لكونهما من الأسباب الموصلة إلى الحج لا لاقتصار الاستطاعة عليهما .
( ألا ترى ) : أنه إذا كان بينه ، وبين مكة بحر زاخر لا سفينة ثمة ، أو عدو حائل يحول بينه ، وبين الوصول إلى البيت لا يجب عليه الحج مع وجود الزاد ، والراحلة فثبت أن تخصيص الزاد ، والراحلة ليس لاقتصار الشرط عليهما بل للتنبيه على أسباب الإمكان ، فكل ما كان من أسباب الإمكان يدخل تحت تفسير الاستطاعة معنى ، ولأن في إيجاب الحج على الأعمى والزمن ، والمقعد ، والمفلوج ، والمريض ، والشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بأنفسهم حرجا بينا ، ومشقة شديدة .
وقد قال الله ( عز وجل ) : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } .