ثم يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه ليكون افتتاح الصفا ، والمروة باستلام السعي بين الحجر كما يكون افتتاح الطواف باستلام الحجر الأسود ، والأصل فيه أن كل طواف بعده سعي فإنه يعود بعد الصلاة إلى الحجر وكل طواف لا سعي بعده لا يعود إلى الحجر ، كذا روي عن عمر ، وابن عمر رضي الله عنهم ، وعن وابن مسعود عائشة رضي الله عنها أنه لا يعود ، وإن كان بعده سعي ، وهو قول ، والصحيح أنه يعود ، لما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه { جابر المقام ، وقرأ فيهما آيات من سورة البقرة ، وقرأ فيهما { مقام إبراهيم مصلى واتخذوا من } ، ورفع صوته يسمع الناس ثم رجع إلى الركن فاستلمه } ، ولأن السعي مرتب على الطواف لا يجوز قبله . أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه صلى ركعتين خلف
ويكره أن يفصل بين الطواف ، وبين السعي فصار كبعض أشواط الطواف ، والاستلام بين كل شوطين سنة ، وهذا المعنى لا يوجد في طواف لا يكون بعده سعي ; لأنه إذا لم يكن بعده سعي لا يوجد الملحق له بالأشواط فلا يعود إلى الحجر ثم يخرج إلى الصفا لما روى { جابر الصفا ، فقال : نبدأ بما بدأ الله به ، وتلا قوله تعالى { الصفا والمروة من شعائر الله إن } } ، ولم يذكر في الكتاب أنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركن ، وخرج إلى الصفا ، أو من حيث تيسر له ، وما روي { من أي باب يخرج : من باب الصفا } فذلك ليس على وجه السنة عندنا ، وإنما خرج منه لقربه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من باب الصفا أو لأمر آخر ، ويصعد على الصفا إلى حيث يرى الكعبة فيحول وجهه إليها ويكبر ويهلل ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 149 ] ويدعو الله تعالى بحوائجه ويرفع يديه ، ويجعل بطون كفيه إلى السماء لما روي عن رضي الله عنه { جابر الصفا حتى بدا له البيت ثم كبر ثلاثا ، وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، وجعل يدعو بعد ذلك } ثم يهبط نحو أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى على المروة فيمشي على هيئته حتى ينتهي إلى بطن الوادي فإذا كان عند الميل الأخضر في بطن الوادي سعى حتى يجاوز الميل الأخضر فيسعى بين الميلين الأخضرين لحديث { جابر المروة حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، وقال في سعيه : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم } وكان أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الدعاء مشى نحو رضي الله عنه إذا رمل بين عمر الصفا ، والمروة قال : اللهم استعملني بسنة نبيك ، وتوفني على ملته ، وأعذني من عذاب القبر ثم يمشي على هيئته حتى يأتي المروة فيصعد عليها ، ويقوم مستقبل القبلة فيحمد الله تعالى ، ويثني عليه ، ويكبر ، ويهلل ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله تعالى حوائجه فيفعل على المروة مثل ما فعل على الصفا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل ، ويطوف بينهما سبعة أشواط هكذا يبدأ بالصفا ، ويختم بالمروة ، ويسعى في بطن الوادي في كل شوط ، ويعد البداية شوطا ، والعود شوطا آخر خلافا لما قاله إنهما يعدان جميعا شوطا واحدا ، وإنه خلاف ظاهر الرواية لما بينا فيما تقدم . الطحاوي