وأما بيان ما يتحلل به فالمحصر نوعان : .
نوع لا يتحلل إلا بالهدي ، ونوع يتحلل بغير الهدي .
أما فكل من منع من المضي في موجب الإحرام حقيقة ، أو منع منه شرعا حقا لله تعالى لا لحق العبد على ما ذكرنا ، فهذا لا يتحلل [ ص: 178 ] إلا بالهدي وهو : أن يبعث بالهدي أو بثمنه ليشتري به هديا فيذبح عنه ، وما لم يذبح لا يحل . الذي لا يتحلل إلا بالهدي :
وهذا قول عامة العلماء سواء كان شرط عند الإحرام الإحلال بغير ذبح عند الإحصار ، أو لم يشترط .
وقال بعض الناس : المحصر يحل بغير هدي ، إلا إذا كان معه هدي فيذبحه .
ويحل وقيل : إنه قول . مالك
وقال بعضهم : إن كان لم يشترط عند الإحرام الإحلال عند الإحصار من غير هدي لا يحل إلا بالهدي .
وإن كان شرط عند الإحرام الإحلال عند الإحصار من غير هدي لا يحل إلا بالهدي احتج من قال بالتحلل من غير هدي بما روي : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل عام الحديبية عن إحصاره بغير هدي } ; لأن الهدي الذي نحره كان هديا ساقه لعمرته لا لإحصاره ، فنحر هديه على النية الأولى ، وحل من إحصاره بغير دم ، فدل أن المحصر يحل بغير هدي يحقق ما قلنا : إنه ليس في حديث صلح الحديبية أنه نحر دمين ، وإنما نحر دما واحدا .
ولو كان المحصر لا يحل إلا بدم لنحر دمين ، وأنه غير منقول .
ولنا قوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } معناه : حتى يبلغ الهدي محله فيذبح ، نهى عز وجل عن حلق الرأس قبل ذبح الهدي في محله ، وهو الحرم من غير فصل بين ما إذا كان معه هدي وقت الإحصار أم لا ، شرط المحصر عند الإحرام الإحلال عند الإحصار أو لم يشرط ، فيجري على إطلاقه ، ولأن شرع التحلل ثبت بطريق الرخصة لما فيه من فسخ الإحرام والخروج منه قبل أوانه ، فكان ثبوته بطريق الضرورة ، والضرورة تندفع بالتحلل بالهدي ، فلا يثبت التحلل بدونه .
وأما الحديث فليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حل عام الحديبية عن إحصاره بغير هدي ، إذ لا يتوهم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون حل من إحصاره بغير هدي .
والله تعالى أمر المحصر أن لا يحل حتى ينحر هديه بنص الكتاب العزيز .
ولكن وجه ذلك - والله أعلم وهو معنى المروي في حديث صلح الحديبية - أنه نحر دما واحدا أن الهدي الذي كان ساقه النبي صلى الله عليه وسلم كان هدي متعة أو قران ، فلما منع عن البيت سقط عنه دم القران فجاز له أن يجعله من دم الإحصار فإن قيل : كيف قلتم : إن النبي صلى الله عليه وسلم صرف الهدي عن سبيله وأنتم تزعمون أن من باع هدية التطوع فهو مسيء لما أنه صرفه عن سبيله ، فالجواب : أنه لا مشابهة بين الفصلين ; لأن الذي باعه صرفه عن سبيل التقرب به إلى الله تعالى رأسا فأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصرف الهدي عن سبيل التقرب أصلا ورأسا ، بل صرفه إلى ما هو أفضل : وهو الواجب ، وهو دم الإحصار ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الهدي لإحصاره ما روي أنه لم يحلق حتى نحر هديه .
وقال : { أيها الناس انحروا وحلوا } والله عز وجل أعلم .