فصل
ولم يكن كما يفعله كثير من الناس ، ولا الجمع حال نزوله أيضا ، وإنما كان يجمع إذا جد به السير ، وإذا سار عقيب الصلاة كما ذكرنا في قصة من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكبا في سفره تبوك ، وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة لأجل اتصال الوقوف ، كما قال رحمه الله وشيخنا ، ولهذا خصه الشافعي أبو حنيفة بعرفة وجعله من تمام النسك ولا تأثير للسفر عنده فيه . وأحمد ، ومالك ، ، جعلوا سببه السفر ، ثم اختلفوا ، فجعل والشافعي ، الشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه التأثير للسفر الطويل ، ولم يجوزاه لأهل مكة ، وجوز مالك ، وأحمد في الرواية الأخرى عنه لأهل مكة الجمع والقصر بعرفة ، واختارها شيخنا وأبو الخطاب في عباداته ، ثم طرد شيخنا هذا وجعله أصلا في جواز ، كما هو مذهب كثير من السلف ، وجعله القصر والجمع في طويل السفر وقصيره مالك وأبو الخطاب مخصوصا بأهل مكة .
ولم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر ، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض ، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر ، وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة فلم يصح عنه منها شيء البتة ، والله أعلم