حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب كله للقاتل ، ولم يخمسه ولم يجعله من الخمس ، بل من أصل الغنيمة ، وهذا حكمه وقضاؤه .
قال في " صحيحه " : السلب للقاتل إنما هو من غير الخمس ، وحكم به بشهادة واحد ، وحكم به بعد القتل ، فهذه أربعة أحكام تضمنها البخاري . حكمه صلى الله عليه وسلم بالسلب لمن قتل قتيلا
وقال مالك وأصحابه : السلب لا يكون إلا من الخمس ، وحكمه حكم [ ص: 67 ] النفل ، قال مالك : ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ، ولا فعله في غير يوم حنين ، ولا فعله أبو بكر ، ولا عمر رضي الله عنهما . قال : ولم يعط غير ابن المواز سلب قتيله وخمسه . البراء بن مالك
قال أصحابه قال الله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) فجعل أربعة أخماس الغنيمة لمن غنمها ، فلا يجوز أن يؤخذ شيء مما جعله الله لهم بالاحتمال .
وأيضا فلو كانت هذه الآية إنما هي في غير الأسلاب لم يؤخر النبي صلى الله عليه وسلم حكمها إلى حنين ، وقد نزلت في قصة بدر ، وأيضا إنما قال : ( ) ، بعد أن برد القتال . ولو كان أمرا متقدما ، لعلمه من قتل قتيلا فله سلبه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحد أكابر أصحابه ، وهو لم يطلبه حتى سمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك . أبو قتادة
قالوا : وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطاه إياه بشهادة واحد بلا يمين ، فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق مغنم إلا بما تخرج به الأملاك من البينات ، أو شاهد ويمين .
قالوا : وأيضا فلو وجب للقاتل ولم يجد بينة لكان يوقف كاللقطة ولا يقسم ، وهو إذا لم تكن بينة يقسم ، فخرج من معنى الملك ، ودل على أنه إلى اجتهاد الإمام يجعله من الخمس الذي يجعل في غيره ، هذا مجموع ما احتج به لهذا القول .
قال الآخرون : قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله قبل حنين بستة أعوام ، فذكر في " صحيحه " : ( البخاري معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاريين ضربا ومعاذ بن عفراء أبا جهل بن هشام يوم بدر بسيفيهما حتى قتلاه ، فانصرفا إلى [ ص: 68 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا ، فنظر إلى السيفين فقال : كلاكما قتله ، وسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ) ، وهذا يدل على أن كون السلب للقاتل أمر مقرر معلوم من أول الأمر ، وإنما تجدد يوم حنين الإعلام العام ، والمناداة به لا شرعيته . أن
وأما قول : إن ابن المواز أبا بكر وعمر لم يفعلاه ، فجوابه من وجهين ، أحدهما : أن هذا شهادة على النفي فلا تسمع ، الثاني : أنه يجوز أن يكون ترك المناداة بذلك على عهدهما اكتفاء بما تقرر ، وثبت من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه ، وحتى لو صح عنهما ترك ذلك تركا صحيحا لا احتمال فيه لم يقدم على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما قوله : ولم يعط غير سلب قتيله ، فقد أعطى السلب البراء بن مالك ، لسلمة بن الأكوع ، ولمعاذ بن عمرو ، قتل عشرين يوم ولأبي طلحة الأنصاري حنين فأخذ أسلابهم ، وهذه كلها وقائع صحيحة معظمها في الصحيح ، فالشهادة على النفي لا تكاد تسلم من النقض .
وأما قوله : " وخمسه " فهذا لم يحفظ به أثر البتة ، بل المحفوظ خلافه ، ففي " سنن أبي داود " : عن خالد ( ) . أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب
وأما قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) فهذا [ ص: 69 ] عام ، والحكم بالسلب للقاتل خاص ، ويجوز تخصيص عموم الكتاب بالسنة ، ونظائره معلومة ولا يمكن دفعها .
وقوله : " لا يجعل شيء من الغنيمة لغير أهلها بالاحتمال " ، جوابه من وجهين ، أحدهما : أنا لم نجعل السلب لغير الغانمين . الثاني : إنما جعلناه للقاتل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بالاحتمال ، ولم يؤخر النبي صلى الله عليه وسلم حكم الآية إلى يوم حنين كما ذكرتم ، بل قد حكم بذلك يوم بدر ، ولا يمنع كونه قاله بعد القتال من استحقاقه بالقتل .
وأما كون أبي قتادة لم يطلبه حتى سمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم يقوله ، فلا يدل على أنه لم يكن متقررا معلوما ، وإنما سكت عنه لأنه لم يكن يأخذه بمجرد دعواه ، فلما شهد له به شاهد أعطاه . أبو قتادة
والصحيح أنه يكتفى في هذا بالشاهد الواحد ولا يحتاج إلى شاهد آخر ولا يمين ، كما جاءت به السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها ، وقد تقدم هذا في موضعه .
وأما قوله : " إنه لو كان للقاتل لوقف ولم يقسم كاللقطة " فجوابه أنه للغانمين وإنما للقاتل حق التقديم ، فإذا لم تعلم عين القاتل اشترك فيه الغانمون ، فإنه حقهم ولم يظهر مستحق التقديم منهم فاشتركوا فيه .