فصل 
ذكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في استلحاق ولد الزنى وتوريثه  
ذكر أبو داود  في " سننه " من حديث  ابن عباس  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا مساعاة في الإسلام ، من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ، ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا يرث ولا يورث  ) . 
المساعاة الزنى ، وكان  الأصمعي  يجعلها في الإماء دون الحرائر ، لأنهن يسعين لمواليهن ، فيكتسبن لهم ، وكان عليهن ضرائب مقررة ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم المساعاة في الإسلام ، ولم يلحق النسب بها ، وعفا عما كان في الجاهلية منها ، وألحق النسب به . وقال الجوهري   : يقال زنى الرجل وعهر ، فهذا قد يكون في الحرة والأمة ، ويقال في الأمة خاصة : قد ساعاها . ولكن في إسناد هذا الحديث رجل مجهول ، فلا تقوم به حجة . 
وروى أيضا في " سننه " من حديث  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده " أن  [ ص: 383 ] النبي صلى الله عليه وسلم ( قضى أن كل مستلحق استلحق  ) بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته ، فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه ، وليس له مما قسم قبله من الميراث ، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه ، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره ، وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق ولا يرث ، وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه ، فهو من ولد زنية من حرة كان أو أمة . 
وفي رواية : وهو ولد زنى لأهل أمه من كانوا - حرة أو أمة . وذلك فيما استلحق في أول الإسلام ، فما اقتسم من مال قبل الإسلام فقد مضى " وهذا لأهل الحديث في إسناده مقال ؛ لأنه من رواية  محمد بن راشد المكحولي   . 
وكان قوم في الجاهلية لهم إماء بغايا ، فإذا ولدت أمة أحدهم وقد وطئها غيره بالزنى فربما ادعاه سيدها ، وربما ادعاه الزاني واختصما في ذلك ، حتى قام الإسلام ، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالولد للسيد ؛ لأنه صاحب الفراش ، ونفاه على الزاني . 
ثم تضمن هذا الحديث أمورا : 
منها : أن المستلحق إذا استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ، ادعاه ورثته  ، فإن كان الولد من أمة يملكها الواطئ يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه ، يعني إذا كان الذي استلحقه ورثة مالك الأمة ، وصار ابنه من يومئذ ليس له مما قسم قبله من الميراث شيء ؛ لأن هذا تجديد حكم نسبه ، ومن يومئذ يثبت نسبه ، فلا يرجع بما اقتسم قبله من الميراث ؛ إذ لم يكن حكم البنوة ثابتا ، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه منه ؛ لأن الحكم ثبت قبل قسمه الميراث ، فيستحق منه نصيبه ،  [ ص: 384 ] وهذا نظير من أسلم على ميراث قبل قسمه ، قسم له في أحد قولي العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد  ، وإن أسلم بعد قسم الميراث فلا شيء له ، فثبوت النسب هاهنا بمنزلة الإسلام بالنسبة إلى الميراث . 
قوله : " ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره " هذا يبين أن التنازع بين الورثة ، وأن الصورة الأولى أن يستلحقه ورثة أبيه الذي كان يدعى له ، وهذه الصورة إذا استلحقه ورثته وأبوه الذي يدعى له كان ينكر ، فإنه لا يلحق ؛ لأن الأصل الذي الورثة خلف عنه منكر له ، فكيف يلحق به مع إنكاره ؟ فهذا إذا كان من أمة يملكها ، أما إذا كان من أمة لم يملكها ، أو من حرة عاهر بها ، فإنه لا يلحق ولا يرث وإن ادعاه الواطئ وهو ولد زنية من أمة كان أو من حرة ، وهذا حجة الجمهور على إسحاق  ومن قال بقوله : إنه لا يلحق بالزاني إذا ادعاه ، ولا يرثه ، وأنه ولد زنى لأهل أمه من كانوا ، حرة كانت أو أمة . 
وأما ما اقتسم من مال قبل الإسلام فقد مضى ، فهذا الحديث يرد قول إسحاق  ومن وافقه ، لكن فيه  محمد بن راشد  ، ونحن نحتج  بعمرو بن شعيب  ، فلا يعلل الحديث به ، فإن ثبت هذا الحديث تعين القول بموجبه ، والمصير إليه ، وإلا فالقول قول إسحاق  ومن معه ، والله المستعان . 
				
						
						
