قال المخيرون في الغلام دون الجارية : قد من حديث ثبت التخيير عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغلام ، وثبت عن الخلفاء الراشدين أبي هريرة ، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة البتة ، ولا أنكره منكر . قالوا : وهذا غاية في العدل الممكن ، فإن الأم إنما قدمت في حال الصغر لحاجة الولد إلى التربية والحمل والرضاع والمداراة التي لا تتهيأ لغير النساء ، وإلا فالأم أحد الأبوين ، فكيف تقدم عليه ؟ فإذا بلغ الغلام حدا يعرب فيه عن نفسه ، ويستغني عن الحمل والوضع وما تعانيه النساء ، تساوى الأبوان ، وزال السبب الموجب لتقديم الأم ، والأبوان متساويان فيه ، فلا يقدم أحدهما إلا بمرجح ، والمرجح إما من خارج وهو القرعة ، وإما من جهة الولد وهو اختياره ، وقد جاءت السنة بهذا وهذا ، وقد جمعهما حديث وأبي هريرة ، فاعتبرناهما جميعا ، ولم ندفع أحدهما بالآخر . [ ص: 419 ] وقدمنا ما قدمه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخرنا ما أخره ، فقدم التخيير ؛ لأن القرعة إنما يصار إليها إذا تساوت الحقوق من كل وجه ولم يبق مرجح سواها ، وهكذا فعلنا هاهنا ، قدمنا أحدهما بالاختيار ، فإن أبي هريرة عدلنا إلى القرعة ، فهذا لو لم يكن فيه موافقة السنة لكان من أحسن الأحكام وأعدلها وأقطعها للنزاع بتراضي المتنازعين . لم يختر أو اختارهما جميعا
وفيه وجه آخر في مذهب أحمد ، أنه إذا لم يختر واحدا منهما كان عند الأم بلا قرعة ؛ لأن الحضانة كانت لها ، وإنما ننقله عنها باختياره ، فإذا لم يختر بقي عندها على ما كان . والشافعي
فإن قيل : فقد قدمتم التخيير على القرعة ، والحديث فيه تقديم القرعة أولا ثم التخيير ، وهذا أولى ؛ لأن القرعة طريق شرعي للتقديم عند تساوي المستحقين ، وقد تساوى الأبوان ، فالقياس تقديم أحدهما بالقرعة ، فإن أبيا القرعة ، لم يبق إلا اختيار الصبي ، فيرجح به ، فما بال أصحاب أحمد قدموا التخيير على القرعة . والشافعي
قيل : إنما قدم التخيير ، لاتفاق ألفاظ الحديث عليه ، وعمل الخلفاء الراشدين به ، وأما القرعة ، فبعض الرواة ذكرها في الحديث ، وبعضهم لم يذكرها ، وإنما كانت في بعض طرق رضي الله عنه وحده ، فقدم التخيير عليها ، فإذا تعذر القضاء بالتخيير تعينت القرعة طريقا للترجيح ؛ إذ لم يبق سواها . أبي هريرة