ذكر ما في هذا الكلام من مقبول ومردود 
فأما قوله : إن فيه الدلالة على أن قرابة الطفل من قبل أمهاته من النساء أحق بحضانته من عصباته من قبل الأب وإن كن ذوات أزواج ، فلا دلالة فيه على ذلك البتة ، بل أحد ألفاظ الحديث صريح في خلافه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأما الابنة فإني أقضي بها لجعفر   ) ، وأما اللفظ الآخر : ( فقضى بها لخالتها وقال : هي أم  ) وهو اللفظ الذي احتج به أبو جعفر  ، فلا دليل على أن قرابة الأم مطلقا أحق من قرابة الأب ، بل إقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليا  وجعفرا  على دعوى الحضانة  يدل على أن لقرابة الأب مدخلا فيها ، وإنما قدم الخالة لكونها أنثى من أهل الحضانة ، فتقديمها على قرابة الأب كتقديم الأم على الأب ، والحديث ليس فيه لفظ عام يدل على ما ادعاه ، لا من أن من كان من قرابة الأم أحق بالحضانة من العصبة من قبل الأب  [ ص: 436 ] حتى تكون بنت الأخت للأم أحق من العم ، وبنت الخالة أحق من العم والعمة ، فأين في الحديث دلالة على هذا فضلا عن أن تكون واضحة . 
قوله : وكان معلوما بذلك صحة قول من قال : لا حق لعصبة الصغير والصغيرة من قبل الأب في حضانته ما لم يبلغ حد الاختيار ، يعني : فيخير بين قرابة أبيه وأمه ، فيقال : ليس ذلك معلوما من الحديث ولا مظنونا ، وإنما دل الحديث على أن ابن العم المزوج بالخالة أولى من ابن العم الذي ليس تحته خالة الطفل  ، ويبقى تحقيق المناط : هل كانت جهة التعصيب مقتضية للحضانة فاستوت في شخصين ؟ فرجح أحدهما بكون خالة الطفل عنده وهي من أهل الحضانة ، كما فهمه طائفة من أهل الحديث ، أو أن قرابة الأم وهي الخالة أولى بحضانة الطفل من عصبة الأب ، ولم تسقط حضانتها بالتزويج إما لكون الزوج لا يسقط الحضانة مطلقا ، كقول الحسن  ومن وافقه ، وإما لكون المحضونة بنتا كما قاله أحمد  في رواية ، وإما لكون الزوج قرابة الطفل كالمشهور من مذهب أحمد  ، وإما لكون الحاضنة غير أم نازعها الأب ، كما قاله أبو جعفر  ، فهذه أربعة مدارك ، ولكن المدرك الذي اختاره أبو جعفر  ضعيف جدا ، فإن المعنى الذي أسقط حضانة الأم بتزويجها هو بعينه موجود في سائر نساء الحضانة ، والخالة غايتها أن تقوم مقام الأم ، وتشبه بها ، فلا تكون أقوى منها ، وكذلك سائر قرابة الأم ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم حكما عاما أن سائر أقارب الأم من كن لا تسقط حضانتهن بالتزويج ، وإنما حكم حكما معينا لخالة ابنة حمزة  بالحضانة مع كونها مزوجة بقريب من الطفل ، والطفل ابنة . 
وأما الفرق الذي فرق بين الأم وغيرها بالنقل المستفيض إلى آخره ، فيريد به الإجماع الذي لا ينقضه عنده مخالفة الواحد والاثنين ، وهذا أصل تفرد به ، ونازعه فيه الناس . 
وأما حكمه على حديث  عمرو بن شعيب  بأنه واه ، فمبني على ما وصل إليه من طريقه ، فإن فيه المثنى بن الصباح  ، وهو ضعيف أو متروك ، ولكن الحديث قد  [ ص: 437 ] رواه  الأوزاعي  ، عن  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، رواه أبو داود  في " سننه " . 
				
						
						
