فصل وأما فرض الدراهم فلا أصل له في كتاب الله تعالى ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ألبتة ولا التابعين ولا تابعيهم ولا نص عليه أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة الإسلام ، وهذه كتب الآثار والسنن ، وكلام الأئمة بين أظهرنا ، فأوجدونا من ذكر فرض الدراهم . والله سبحانه أوجب نفقة الأقارب والزوجات والرقيق بالمعروف ، وليس من المعروف فرض الدراهم ، بل المعروف الذي نص عليه صاحب الشرع أن يطعمهم مما يأكل ويكسوهم مما يلبس ، ليس المعروف سوى هذا ، من المنكر ، وليست الدراهم من الواجب ولا عوضه ، ولا يصح الاعتياض عما لم يستقر ولم يملك ، فإن نفقة الأقارب والزوجات إنما تجب يوما فيوما ، ولو كانت مستقرة لم تصح المعاوضة عنها بغير رضى الزوج والقريب ، فإن الدراهم تجعل عوضا عن الواجب الأصلي ، وهو إما البر عند وفرض الدراهم على المنفق ، أو الطعام المعتاد عند الجمهور ، فكيف يجبر على المعاوضة على ذلك بدراهم من غير رضاه ، ولا إجبار صاحب الشرع له على ذلك ، فهذا مخالف لقواعد الشرع ونصوص الأئمة ومصالح العباد ، ولكن إن اتفق المنفق والمنفق عليه على ذلك جاز باتفاقهما ، هذا مع أنه في جواز اعتياض الزوجة عن النفقة الواجبة لها نزاع معروف في مذهب الشافعي وغيره ، فقيل : لا تعتاض ؛ لأن نفقتها طعام ثبت في الذمة عوضا فلا تعتاض عنه قبل القبض كالمسلم فيه ، وعلى هذا فلا يجوز الاعتياض لا بدراهم ولا ثياب ولا شيء البتة ، وقيل : تعتاض بغير الخبز والدقيق ؛ فإن [ ص: 456 ] الاعتياض بهما ربا ، هذا إذا كان الاعتياض عن الماضي ، فإن كان عن المستقبل لم يصح عندهم وجها واحدا ؛ لأنها بصدد السقوط فلا يعلم استقرارها . الشافعي