فصل . 
واختلف عنه صلى الله عليه وسلم في العسل ، فروى أبو داود  من حديث  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده قال : ( جاء هلال  أحد بني متعان  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له ، وكان سأله أن يحمي واديا يقال له سلبة ، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي ، فلما ولي  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه كتب إليه  سفيان بن وهب  يسأله عن ذلك ، فكتب عمر   : إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة ، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء  ) . 
وفي رواية في هذا الحديث ( من كل عشر قرب قربة  ) . 
وروى  ابن ماجه  في " سننه " من حديث  عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده ، أنه ( أخذ من العسل العشر  ) . 
 [ ص: 12 ] وفي " مسند  الإمام أحمد   " عن أبي سيارة المتعي   ( قال : قلت : يا رسول الله ، إن لي نحلا . قال : أد العشر " قلت : يا رسول الله احمها لي ، فحماها لي  ) . 
وروى عبد الرزاق  ، عن عبد الله بن محرر  ، عن  الزهري  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، قال : ( كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن  ، أن يؤخذ من العسل العشر  ) . 
قال  الشافعي   : أخبرنا  أنس بن عياض  ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب  ، عن أبيه ( عن سعد بن أبي ذباب  قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم قلت : يا رسول الله اجعل لقومي من أموالهم ما أسلموا عليه ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم ، ثم استعملني أبو بكر  ، ثم عمر  رضي الله عنهما ، قال : وكان سعد  من أهل السراة ، قال : فكلمت قومي في العسل ، فقلت لهم : فيه زكاة ، فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى . فقالوا : كم ترى ؟ قلت : العشر . فأخذت منهم العشر ، فلقيت  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه فأخبرته بما كان . قال : فقبضه عمر  ، ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين  ) . ورواه  الإمام أحمد  ولفظه  للشافعي   . 
 [ ص: 13 ] واختلف أهل العلم في هذه الأحاديث وحكمها ، فقال  البخاري   : ليس في زكاة العسل شيء يصح ، وقال  الترمذي   : لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثير شيء . وقال ابن المنذر   : ليس في وجوب صدقة العسل  حديث يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع ، فلا زكاة فيه ، وقال  الشافعي   : الحديث في أن في العسل العشر ضعيف ، وفي أنه لا يؤخذ منه العشر ضعيف ، إلا عن  عمر بن عبد العزيز   . 
قال هؤلاء : وأحاديث الوجوب كلها معلولة ، أما حديث  ابن عمر  فهو من رواية صدقة بن عبد الله بن موسى بن يسار  ، عن نافع  عنه ، وصدقة ضعفه  الإمام أحمد  ،  ويحيى بن معين  ، وغيرهما ، وقال  البخاري   : هو عن نافع  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ، وقال  النسائي   : صدقة ليس بشيء ، وهذا حديث منكر . 
وأما حديث أبي سيارة المتعي  ، فهو من رواية  سليمان بن موسى  عنه ، قال  البخاري   :  سليمان بن موسى  لم يدرك أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وأما حديث  عمرو بن شعيب  الآخر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أخذ من العسل العشر  ) ففيه أسامة بن زيد بن أسلم  يرويه عن عمرو  ، وهو ضعيف عندهم ، قال  ابن معين   : بنو زيد  ثلاثتهم ليسوا بشيء ، وقال  الترمذي   : ليس في ولد  زيد بن أسلم  ثقة . 
وأما حديث  الزهري  ، عن أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة   : فما أظهر دلالته لو سلم من عبد الله بن محرر  راويه عن  الزهري  ، قال  البخاري  في حديثه هذا : عبد الله بن محرر  متروك الحديث ، وليس في زكاة العسل شيء يصح . 
وأما حديث  الشافعي  رحمه الله فقال  البيهقي   : رواه  الصلت بن محمد  ، عن  أنس بن عياض  ، عن الحارث بن عبد الرحمن ( هو ابن أبي ذباب   ) عن منير بن عبد الله  ، عن أبيه ، عن سعد بن أبي ذباب  ، وكذلك رواه  صفوان بن عيسى  ، عن الحارث بن أبي ذباب   . قال  البخاري   : عبد الله والد منير  ، عن  [ ص: 14 ] سعد بن أبي ذباب  لم يصح حديثه ، وقال  علي بن المديني   : منير  هذا لا نعرفه إلا في هذا الحديث ، كذا قال لي . 
قال  الشافعي   : وسعد بن أبي ذباب  يحكي ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل ، وإنما هو شيء رآه فتطوع له به أهله . قال  الشافعي   : واختياري أن لا يؤخذ منه ، لأن السنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه ، وليست ثابتة فيه فكأنه عفو . 
وقد روى  يحيى بن آدم  ، حدثنا حسين بن زيد  ، عن  جعفر بن محمد  ، عن أبيه ، عن علي  رضي الله عنه قال : ليس في العسل زكاة . 
قال يحيى   : وسئل  حسن بن صالح  عن العسل ؟ فلم ير فيه شيئا . وذكر عن معاذ  أنه لم يأخذ من العسل شيئا . قال  الحميدي   : حدثنا سفيان  ، حدثنا  إبراهيم بن ميسرة  ، عن  طاووس  ، عن  معاذ بن جبل  ، أنه أتي بوقص البقر والعسل ، فقال معاذ   : كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء . 
وقال  الشافعي   : أخبرنا مالك  ، عن  عبد الله بن أبي بكر  ، قال : جاءنا كتاب من  عمر بن عبد العزيز  رحمه الله إلى أبي وهو بمنى  ، أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة  . وإلى هذا ذهب مالك   والشافعي   . 
وذهب أحمد   وأبو حنيفة  وجماعة إلى أن في العسل زكاة ، ورأوا أن هذه الآثار يقوي بعضها بعضا ، وقد تعددت مخارجها واختلفت طرقها ، ومرسلها يعضد بمسندها . 
وقد سئل  أبو حاتم الرازي  ، عن عبد الله والد منير  ، عن سعد بن أبي ذباب   : يصح حديثه ؟ قال : نعم . قال هؤلاء : ولأنه يتولد من نور  [ ص: 15 ] الشجر والزهر ، ويكال ويدخر ، فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار . 
قالوا : والكلفة في أخذه دون الكلفة في الزرع والثمار ، ثم قال  أبو حنيفة   : إنما يجب فيه العشر إذا أخذ من أرض العشر ، فإن أخذ من أرض الخراج لم يجب فيه شيء عنده ، لأن أرض الخراج قد وجب على مالكها الخراج لأجل ثمارها وزرعها ، فلم يجب فيها حق آخر لأجلها ، وأرض العشر لم يجب في ذمته حق عنها ، فلذلك وجب الحق فيما يكون منها . 
وسوى  الإمام أحمد  بين الأرضين في ذلك ، وأوجبه فيما أخذ من ملكه أو موات ، عشرية كانت الأرض أو خراجية . 
ثم اختلف الموجبون له هل له نصاب أم لا ؟  على قولين . أحدهما : أنه يجب في قليله وكثيره ، وهذا قول  أبي حنيفة  رحمه الله ، والثاني : أن له نصابا معينا ، ثم اختلف في قدره ، فقال أبو يوسف   : هو عشرة أرطال . 
وقال محمد بن الحسن   : هو خمسة أفراق ، والفرق ستة وثلاثون رطلا بالعراقي . وقال أحمد   : نصابه عشرة أفراق ، ثم اختلف أصحابه في الفرق على ثلاثة أقوال . أحدها : إنه ستون رطلا . والثاني : إنه ستة وثلاثون رطلا . 
والثالث : ستة عشر رطلا ، وهو ظاهر كلام  الإمام أحمد  ، والله أعلم . 
				
						
						
