الثاني : إنا وإن سلمنا ذلك ، فإن هذا يدل على أن ، وكذلك نقول : فالدم شرط في تسميته قرءا ، وهذا لا يدل على أن مسماه الحيض ، وهذا كالكأس الذي لا يقال على الإناء إلا بشرط كون الشراب فيه ، وإلا فهو زجاجة أو قدح ، والمائدة التي لا تقال للخوان إلا إذا كان عليه طعام ، وإلا فهو خوان ، والكوز الذي لا يقال لمسماه : إلا إذا كان ذا عروة ، وإلا فهو كوب ، والقلم الذي يشترط في صحة إطلاقه على القصبة كونها مبرية ، وبدون البري ، فهو أنبوب أو قصبة ، والخاتم شرط إطلاقه أن يكون ذا فص منه أو من [ ص: 553 ] غيره ، وإلا فهو فتخة ، والفرو شرط إطلاقه على مسماه الصوف ، وإلا فهو جلد . الطهر لا يسمى قرءا حتى يحتوشه دمان
والريطة شرط إطلاقها على مسماها أن تكون قطعة واحدة ، فإن كانت ملفقة من قطعتين ، فهي ملاءة ، والحلة شرط إطلاقها أن تكون ثوبين ، إزارا ورداء ، وإلا فهو ثوب ، والأريكة لا تقال على السرير إلا إذا كان عليه حجلة ، وهي التي تسمى بشخانة وخركاه ، وإلا فهو سرير ، واللطيمة لا تقال للجمال إلا إذا كان فيها طيب ، وإلا فهي عير ، والنفق لا يقال إلا لما له منفذ ، وإلا فهو سرب ، والعهن لا يقال للصوف إلا إذا كان مصبوغا ، وإلا فهو صوف ، والخدر لا يقال إلا لما اشتمل على المرأة ، وإلا فهو ستر .
والمحجن لا يقال للعصا إلا إذا كان محنية الرأس ، وإلا فهي عصا . والركية لا تقال على البئر إلا بشرط كون الماء فيها ، وإلا فهي بئر . والوقود لا يقال للحطب إلا إذا كانت النار فيه ، وإلا فهو حطب ، ولا يقال للتراب ثرى إلا بشرط نداوته ، وإلا فهو تراب . ولا يقال للرسالة : مغلغلة ، إلا إذا حملت من بلد إلى بلد ، وإلا فهي رسالة ، ولا يقال للأرض قراح إلا إذا هيئت للزراعة ، ولا يقال لهروب العبد : إباق إلا إذا كان هروبه من غير خوف ولا جوع ولا جهد ، وإلا فهو هروب ، والريق لا يقال له رضاب إلا إذا كان في الفم ، فإذا فارقه فهو بصاق وبساق ، والشجاع لا يقال له : كمي إلا إذا كان شاكي السلاح ، وإلا فهو بطل ، وفي تسميته بطلا قولان أحدهما : لأنه تبطل شجاعته قرنه وضربه وطعنه ، والثاني : لأنه تبطل شجاعة الشجعان عنده ، فعلى الأول ، فهو فعل بمعنى فاعل ، وعلى الثاني ، فعل بمعنى مفعول ، وهو قياس اللغة .
والبعير لا يقال له : راوية إلا بشرط حمله للماء ، والطبق لا يسمى مهدى إلا أن يكون عليه هدية ، والمرأة لا تسمى ظعينة إلا بشرط كونها في الهودج ، هذا في الأصل ، وإلا فقد تسمى المرأة ظعينة ، وإن لم تكن في هودج ، ومنه في الحديث : والدلو لا يقال له : سجل إلا ما دام فيه ماء ، ولا يقال لها : ذنوب ، إلا [ ص: 554 ] إذا امتلأت به ، والسرير لا يقال له : نعش إلا إذا كان عليه ميت ، والعظم لا يقال له : عرق ، إلا إذا اشتمل عليه لحم ، والخيط لا يسمى سمطا إلا إذا كان فيه خرز . فمرت ظعن يجرين
ولا يقال للحبل : قرن إلا إذا قرن فيه اثنان فصاعدا ، والقوم لا يسمون رفقة إلا إذا انضموا في مجلس واحد ، وسير واحد ، فإذا تفرقوا زال هذا الاسم ، ولم يزل عنهم اسم الرفيق ، والحجارة لا تسمى رضفا إلا إذا حميت بالشمس أو بالنار ، والشمس لا يقال لها : غزالة إلا عند ارتفاع النهار ، والثوب لا يسمى مطرفا إلا إذا كان في طرفيه علمان ، والمجلس لا يقال له : النادي إلا إذا كان أهله فيه .
والمرأة لا يقال لها : عاتق إلا إذا كانت في بيت أبويها ، ولا يسمى الماء الملح أجاجا ، إلا إذا كان مع ملوحته مرا ، ولا يقال للسير : إهطاع إلا إذا كان معه خوف ، ولا يقال للفرس : محجل ، إلا إذا كان البياض في قوائمها كلها ، أو أكثرها ، وهذا باب طويل لو تقصيناه ، فكذلك لا يقال للطهر : قرء ، إلا إذا كان قبله دم ، وبعده دم ، فأين في هذا ما يدل على أنه حيض ؟