قولكم : إن رضي الله عنها قالت : القروء : الأطهار ، عائشة . والنساء أعلم بهذا من الرجال
فالجواب أن يقال : من جعل النساء أعلم بمراد الله من كتابه ، وأفهم لمعناه من ، أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ، وأكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فنزول ذلك في شأنهن لا يدل على أنهن أعلم به من الرجال ، وإلا كانت كل آية نزلت في النساء تكون النساء أعلم بها من الرجال ، ويجب على الرجال تقليدهن في معناها وحكمها ، فيكن أعلم من [ ص: 565 ] الرجال بآية الرضاع ، وآية الحيض ، وتحريم وأبي الدرداء ، وآية عدة المتوفى عنها ، وآية الحمل والفصال ومدتهما ، وآية تحريم إبداء الزينة إلا لمن ذكر فيها ، وغير ذلك من الآيات التي تتعلق بهن ، وفي شأنهن نزلت ، ويجب على الرجال تقليدهن في حكم هذه الآيات ومعناها ، وهذا لا سبيل إليه البتة . وكيف ومدار العلم بالوحي على الفهم والمعرفة ، ووفور العقل والرجال أحق بهذا من النساء ، وأوفر نصيبا منه ، بل لا يكاد يختلف الرجال والنساء في مسألة إلا والصواب في جانب الرجال ، وكيف يقال : إذا اختلفت وطء الحائض ، عائشة ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب في مسألة : إن الأخذ بقول وعبد الله بن مسعود رضي الله عنها أولى ، وهل الأولى إلا قول فيه خليفتان راشدان ؟ وإن كان عائشة معهما كما حكي عنه ، فذلك القول مما لا يعدوه [ ص: 566 ] الصواب البتة ، فإن النقل عن الصديق عمر ، وعلي ثابت ، وأما عن الصديق ففيه غرابة ، ويكفينا قول جماعة من الصحابة فيهم مثل : عمر ، وعلي ، ، وابن مسعود ، وأبي الدرداء وأبي موسى ، فكيف نقدم قول أم المؤمنين وفهمها على أمثال هؤلاء ؟
ثم يقال : فهذه رضي الله عنها ترى رضاع الكبير ينشر الحرمة ، ويثبت المحرمية ، ومعها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وقد خالفها غيرها من الصحابة ، وهي روت حديث التحريم به ، فهلا قلتم : النساء أعلم بهذا من الرجال ، ورجحتم قولها على قول من خالفها ؟ عائشة
ونقول لأصحاب مالك رحمه الله : وهذه رضي الله عنها لا ترى التحريم إلا بخمس رضعات ، ومعها جماعة من الصحابة ، وروت فيه حديثين ، فهلا قلتم : النساء أعلم بهذا من الرجال ، وقدمتم قولها على قول من خالفها ؟ عائشة
فإن قلتم : هذا حكم يتعدى إلى الرجال ، فيستوي النساء معهم فيه ، قيل : ويتعدى حكم العدة مثله إلى الرجال ، فيجب أن يستوي النساء معهم فيه ، وهذا لا خفاء به . ثم يرجح قول الرجال في هذه المسألة ، بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لواحد من هذا الحزب ، بأن الله ضرب الحق على لسانه وقلبه . وقد وافق ربه تبارك وتعالى في عدة مواضع قال فيها قولا ، فنزل القرآن بمثل ما قال ، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم فضل إنائه في النوم ، وأوله [ ص: 567 ] بالعلم وشهد له بأنه محدث ملهم ، فإذا لم يكن بد من التقليد ، فتقليده أولى ، وإن كانت الحجة هي التي تفصل بين المتنازعين ، فتحكيمها هو الواجب .