وقد خالفهم في ذلك جمهور الأمة فقالوا : عدتها نصف عدة الحرة هذا قول فقهاء المدينة ، سعيد بن المسيب والقاسم وسالم ، ، وزيد بن أسلم وعبد الله بن عتبة ، ، والزهري ومالك ، وفقهاء أهل مكة ، كعطاء بن أبي رباح ، وغيرهما ، وفقهاء ومسلم بن خالد البصرة كقتادة ، وفقهاء الكوفة ، كالثوري وأصحابه رحمهم الله ، وفقهاء الحديث وأبي حنيفة كأحمد ، وإسحاق ، ، والشافعي رحمهم الله وغيرهم . وأبي ثور
وسلفهم في ذلك الخليفتان الراشدان ، عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صح ذلك عنهما ، وهو قول وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كما رواه عبد الله بن عمر مالك ، عن نافع عنه ( حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض ) ، وهو قول عدة الأمة كما رواه زيد بن ثابت ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ( عدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض ) . وروى زيد بن ثابت ، عن حماد بن زيد عمرو بن أوس الثقفي ، أن رضي الله عنه قال : ( لو استطعت أن أجعل عدة الأمة حيضة ونصفا لفعلت فقال له : رجل يا أمير المؤمنين فاجعلها شهرا ونصفا ) . عمر بن الخطاب
وقال عبد الرزاق حدثنا ، أخبرني ابن جريج أبو الزبير أنه سمع يقول : جعل لها جابر بن عبد الله عمر رضي الله عنه حيضتين يعني : الأمة المطلقة .
وروى عبد الرزاق أيضا : عن ، عن ابن عيينة محمد بن عبد الرحمن ، عن [ ص: 579 ] ، عن سليمان بن يسار عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عمر رضي الله عنه ( ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تحض فشهرين ، أو قال فشهرا ونصفا ينكح العبد اثنتين ) . عن
وذكر عبد الرزاق أيضا : ، عن معمر ، عن المغيرة ، عن ، عن إبراهيم النخعي قال ( يكون عليها نصف العذاب ، ولا يكون لها نصف الرخصة ) . ابن مسعود
وقال ابن وهب : أخبرني رجال من أهل العلم أن نافعا ، وابن قسيط ، ، ويحيى بن سعيد وربيعة وغير واحد من أصحاب رسول الله والتابعين قالوا : عدة الأمة حيضتان . قالوا : ولم يزل هذا عمل المسلمين .
قال ابن وهب : أخبرني ، عن هشام بن سعد رضي الله عنهم قال : عدة الأمة حيضتان . القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
قال القاسم : مع أن هذا ليس في كتاب الله عز وجل ، ولا نعلمه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن قد مضى أمر الناس على هذا ، وقد تقدم هذا الحديث بعينه ، وقول القاسم وسالم فيه لرسول الأمير : قل له إن هذا ليس في كتاب الله ، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن عمل به المسلمون . قالوا : ولو لم يكن في المسألة إلا قول عمر : : وابن مسعود : وزيد بن ثابت لكفى به . وعبد الله بن عمر
وفي قول رضي الله عنه تجعلون عليها نصف العذاب ، ولا تجعلون لها نصف الرخصة ، دليل على اعتبار الصحابة للأقيسة والمعاني ، وإلحاق النظير بالنظير . ابن مسعود
ولما كان هذا الأثر مخالفا لقول الظاهرية في الأصل والفرع ، طعن [ ص: 580 ] فيه ، وقال لا يصح عن ابن حزم ، قال : وهذا بعيد على رجل من عرض الناس فكيف عن مثل ابن مسعود ؟ وإنما جرأه على الطعن فيه أنه من رواية ابن مسعود عنه ، رواه إبراهيم النخعي عبد الرزاق ، عن معمر ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، وإبراهيم لم يسمع من عبد الله ، ولكن الواسطة بينه وبينه أصحاب عبد الله كعلقمة ونحوه .
وقد قال إبراهيم : إذا قلت قال عبد الله فقد حدثني به غير واحد عنه وإذا قلت : قال فلان عنه فهو عمن سميت ، أو كما قال .
ومن المعلوم أن بين إبراهيم وعبد الله أئمة ثقات لم يسم قط متهما ، ولا مجروحا ، ولا مجهولا ، فشيوخه الذين أخذ عنهم ، عن عبد الله أئمة أجلاء نبلاء وكانوا كما قيل : سرج الكوفة ، وكل من له ذوق في الحديث إذا قال إبراهيم : قال عبد الله لم يتوقف في ثبوته عنه ، وإن كان غيره ممن في طبقته لو قال : قال عبد الله ، لا يحصل لنا الثبت بقوله ، فإبراهيم عن عبد الله نظير عن ابن المسيب عمر ونظير مالك عن ، فإن الوسائط بين هؤلاء وبين الصحابة رضي الله عنهم إذا سموهم وجدوا من أجل الناس وأوثقهم وأصدقهم ، ولا يسمون سواهم البتة ، ودع ابن عمر في هذه المسألة ، فكيف يخالف ابن مسعود عمر وزيدا وهم أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ويخالف عمل المسلمين لا إلى قول صاحب البتة ، ولا إلى حديث صحيح ، ولا حسن ، بل إلى عموم أمره ظاهر عند جميع الأمة ، ليس هو مما تخفى دلالته ولا موضعه حتى يظفر به الواحد والاثنان دون سائر الناس ، هذا من أبين المحال . وابن عمر
ولو ذهبنا نذكر الآثار عن التابعين بتنصيف عدة الأمة لطالت جدا ، ثم إذا تأملت سياق الآيات التي فيها ذكر العدد وجدتها لا تتناول الإماء وإنما تتناول الحرائر ، فإنه سبحانه قال ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) [ البقرة 228 ] إلى أن قال ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ ص: 581 ] [ البقرة 229 ]
وهذا في حق الحرائر دون الإماء ، فإن افتداء الأمة إلى سيدها لا إليها . ، ثم قال ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) [ البقرة 230 ] فجعل ذلك إليهما ، والتراجع المذكور في حق الأمة ، وهو العقد إنما هو إلى سيدها لا إليها ، بخلاف الحرة فإنه إليها بإذن وليها ، وكذلك قوله سبحانه في عدة الوفاة ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) [ البقرة 234 ] ، وهذا إنما هو في حق الحرة ، وأما الأمة فلا فعل لها في نفسها البتة ، فهذا في العدة الأصلية . وأما عدة الأشهر ففرع وبدل . وأما فيستويان فيها كما ذهب إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وعمل به المسلمون ، وهو محض الفقه وموافق لكتاب الله في تنصيف الحد عليها ، ولا يعرف في الصحابة مخالف في ذلك ، وفهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله أولى من فهم من شذ عنهم من المتأخرين وبالله التوفيق . عدة وضع الحمل
ولا تعرف ، عن أحد من السلف إلا عن التسوية بين الحرة والأمة في العدة محمد بن سيرين ومكحول . فأما فلم يجزم بذلك وأخبر به عن رأيه ، وعلق القول به على عدم سنة تتبع . وأما قول ابن سيرين مكحول فلم يذكر له سندا وإنما حكاه عنه أحمد رحمه الله ، وهو لا يقبل عند أهل الظاهر ولا يصح ، فلم يبق معكم أحد من السلف إلا رأي وحده المعلق على عدم سنة متبعة ، ولا ريب أن سنة ابن سيرين رضي الله عنه في ذلك متبعة ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم والله أعلم . عمر بن الخطاب