وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم في حكم هذه المسألة ، [ ص: 605 ] فروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ، عن الزهري ، عن ( عروة بن الزبير رضي الله عنها . أنها كانت تفتي المتوفى عنها بالخروج في عدتها وخرجت بأختها عائشة أم كلثوم حين قتل عنها إلى طلحة بن عبيد الله مكة في عمرة )
ومن طريق عبد الرزاق : أخبرنا ، أخبرني ابن جريج عطاء ، عن ( أنه قال : إنما قال الله عز وجل : تعتد أربعة أشهر وعشرا ، ولم يقل : تعتد في بيتها ، فتعتد حيث شاءت ) وهذا الحديث سمعه ابن عباس عطاء من ، فإن ابن عباس قال : حدثنا علي بن المديني ، عن سفيان بن عيينة ، عن ( ابن جريج عطاء قال : سمعت يقول : قال الله تعالى : ( ابن عباس والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ولم يقل : يعتددن في بيوتهن تعتد حيث شاءت ) قال سفيان : قاله لنا كما أخبرنا . ابن جريج
وقال عبد الرزاق : حدثنا ، أخبرني ( ابن جريج أبو الزبير أنه سمع يقول : جابر بن عبد الله ) تعتد المتوفى عنها حيث شاءت
وقال عبد الرزاق ، عن ، عن الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد أن ( الشعبي رضي الله عنه كان يرحل المتوفى عنهن في عدتهن ) علي بن أبي طالب
وذكر عبد الرزاق أيضا ، عن ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار طاوس وعطاء قالا جميعا : المبتوتة والمتوفى عنها تحجان وتعتمران وتنتقلان وتبيتان .
[ ص: 606 ] وذكر أيضا ، عن ، عن ( ابن جريج عطاء قال : لا يضر المتوفى عنها أين اعتدت )
وقال ، عن ابن عيينة ، عن ( عمرو بن دينار عطاء وأبي الشعثاء قالا جميعا : المتوفى عنها تخرج في عدتها حيث شاءت )
وذكر ، حدثنا ابن أبي شيبة ، عن ( عبد الوهاب الثقفي ، قال : سألت حبيب المعلم عطاء عن ؟ قال : نعم . وكان المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها ، أتحجان في عدتهما الحسن يقول بمثل ذلك )
وقال ابن وهب : أخبرني ، عن ابن لهيعة حنين بن أبي حكيم أن ( امرأة مزاحم لما توفي عنها زوجها بخناصرة سألت أأمكث حتى تنقضي عدتي ؟ فقال لها : بل الحقي بقرارك ودار أبيك فاعتدي فيها ) عمر بن عبد العزيز
قال ابن وهب : وأخبرني يحيى بن أيوب ، عن ( أنه قال في رجل توفي يحيى بن سعيد الأنصاري بالإسكندرية ومعه امرأته ، وله بها دار ، وله بالفسطاط دار ، فقال : إن أحبت أن تعتد حيث توفي زوجها فلتعتد ، وإن أحبت أن ترجع إلى دار [ ص: 607 ] زوجها وقراره بالفسطاط فتعتد فيها فلترجع )
قال ابن وهب : وأخبرني ، عن ( عمرو بن الحارث قال : سألت بكير بن الأشج عن سالم بن عبد الله بن عمر ؟ قال : تعتد حيث توفي عنها زوجها ، أو ترجع إلى بيت زوجها حتى تنقضي عدتها ) وهذا مذهب أهل الظاهر كلهم . المرأة يخرج بها زوجها إلى بلد فيتوفى
ولأصحاب هذا القول حجتان احتج بهما ، وقد حكينا إحداهما ، وهي : أن الله سبحانه إنما أمرها باعتداد أربعة أشهر وعشر ، ولم يأمرها بمكان معين . ابن عباس
والثانية : ما رواه أبو داود : حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، حدثنا ، حدثنا موسى بن مسعود شبل ، عن قال : قال ابن أبي نجيح عطاء : ( قال : نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها ، فتعتد حيث شاءت ، وهو قول الله عز وجل : ( ابن عباس غير إخراج ) قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت لقول الله عز وجل : ( فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن ) قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى ، تعتد حيث شاءت )
وقالت طائفة ثانية من الصحابة والتابعين ومن بعدهم : تعتد في منزلها التي توفي زوجها وهي فيه ، قال : حدثنا وكيع ، عن الثوري منصور ، عن مجاهد ، عن ( أن سعيد بن المسيب عمر رد نسوة من ذي الحليفة حاجات ، أو معتمرات توفي عنهن أزواجهن )
[ ص: 608 ] وقال عبد الرزاق : حدثنا ، أخبرنا ابن جريج حميد الأعرج ، عن مجاهد قال : ( كان عمر وعثمان يرجعانهن حاجات ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة )
وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ، عن أمه يوسف بن ماهك مسيكة ( أن امرأة متوفى عنها زارت أهلها في عدتها فضربها الطلق ، فأتوا عثمان فقال : احملوها إلى بيتها وهي تطلق )
وذكر أيضا ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، ( عن أنه كانت له ابنة تعتد من وفاة زوجها ، وكانت تأتيهم بالنهار فتتحدث إليهم ، فإذا كان الليل أمرها أن ترجع إلى بيتها ) ابن عمر
وقال : حدثنا ابن أبي شيبة ، عن وكيع علي بن المبارك ، عن ، عن يحيى بن أبي كثير محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ( أن عمر رخص للمتوفى عنها أن تأتي أهلها بياض يومها ، وأن لم يرخص لها إلا في بياض يومها أو ليلها ) زيد بن ثابت
وذكر عبد الرزاق ، عن ، عن سفيان الثوري ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم النخعي علقمة قال : ( سأل نساء من ابن مسعود همدان نعي إليهن أزواجهن فقلن : إنا نستوحش ، فقال : تجتمعن بالنهار ، ثم ترجع كل امرأة منكن إلى بيتها بالليل ) ابن مسعود
[ ص: 609 ] وذكر ، حدثنا الحجاج بن المنهال أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ( أن امرأة بعثت إلى رضي الله عنها : إن أبي مريض وأنا في عدة أفآتيه أمرضه ؟ قالت : نعم ، ولكن بيتي أحد طرفي الليل في بيتك ) أم سلمة أم المؤمنين
وقال : حدثنا سعيد بن منصور هشيم ، أنبأنا ، عن إسماعيل بن أبي خالد أنه سئل عن الشعبي ؟ فقال : ( كان أكثر أصحاب المتوفى عنها : أتخرج في عدتها أشد شيء في ذلك يقولون : لا تخرج وكان الشيخ - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - يرحلها ) علي بن أبي طالب
وقال : أخبرنا حماد بن سلمة أن أباه قال : ( المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها إلا أن ينتوي أهلها فتنتوي معهم ) هشام بن عروة
وقال : حدثنا سعيد بن منصور هشيم ، أخبرنا يحيى بن سعيد هو الأنصاري ( أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله قالوا في المتوفى عنها : لا تبرح حتى تنقضي عدتها ) وسعيد بن المسيب
وذكر أيضا ( عن ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار عطاء وجابر ، كلاهما قال في المتوفى عنها : لا تخرج )
وذكر ، عن وكيع ، عن الحسن بن صالح المغيرة ، ( عن إبراهيم في المتوفى عنها : لا بأس أن تخرج بالنهار ، ولا تبيت عن بيتها )
وذكر ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ( أن امرأة توفي عنها زوجها وهي مريضة فنقلها أهلها ، ثم سألوا ، فكلهم يأمرهم أن ترد [ ص: 610 ] إلى بيت زوجها قال محمد بن سيرين : فرددناها في ابن سيرين نمط ) ، وهذا قول ، الإمام أحمد ومالك ، ، والشافعي رحمهم الله وأصحابهم ، وأبي حنيفة ، والأوزاعي وأبي عبيد ، وإسحاق .
قال : وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار أبو عمر بن عبد البر بالحجاز ، والشام ، والعراق ، ومصر .
وحجة هؤلاء حديث الفريعة بنت مالك ، وقد تلقاه رضي الله عنه بالقبول ، وقضى به بمحضر عثمان بن عفان المهاجرين والأنصار ، وتلقاه أهل المدينة والحجاز والشام والعراق ومصر بالقبول ، ولم يعلم أن أحدا منهم طعن فيه ، ولا في رواته ، وهذا مالك مع تحريه وتشدده في الرواية .
وقوله للسائل له عن رجل : أثقة هو ؟ فقال : لو كان ثقة لرأيته في كتبي : قد أدخله في " موطئه " وبنى عليه مذهبه .
قالوا : ونحن لا ننكر النزاع بين السلف في المسألة ، ولكن السنة تفصل بين المتنازعين .
قال : أما السنة فثابتة بحمد الله ، وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة ؛ لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة . أبو عمر بن عبد البر
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قال : ( أخذ المترخصون في المتوفى عنها بقول الزهري رضي الله عنها وأخذ أهل العزم والورع بقول عائشة ) . ابن عمر