فصل 
الحكم الثاني : أنه لا يحصل الاستبراء بطهر البتة ، بل لا بد من حيضة  ، وهذا قول الجمهور ، وهو الصواب ، وقال أصحاب مالك  ،  والشافعي  في قول له :  [ ص: 643 ] يحصل بطهر كامل ، ومتى طعنت في الحيضة ، تم استبراؤها بناء على قولهما : إن الأقراء الأطهار ، ولكن يرد هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا توطأ حامل حتى تضع  ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة  ) . 
وقال  رويفع بن ثابت   : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم حنين   : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يطأ جارية من السبي حتى يستبرئها بحيضة  ) رواه  الإمام أحمد  وعنده فيه ثلاثة ألفاظ هذا أحدها . الثاني : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا توطأ الأمة حتى تحيض وعن الحبالى حتى تضعن  . 
الثالث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض  ) . فعلق الحل في ذلك كله بالحيض وحده لا بالطهر ، فلا يجوز إلغاء ما اعتبره ، واعتبار ما ألغاه ، ولا تعويل على ما خالف نصه ، وهو مقتضى القياس المحض فإن الواجب هو الاستبراء ، والذي يدل على البراءة هو الحيض ، فأما الطهر ، فلا دلالة فيه على البراءة ، فلا يجوز أن يعول في الاستبراء على ما لا دلالة له فيه عليه دون ما يدل عليه ، وبناؤهم هذا على أن الأقراء هي الأطهار ، بناء على الخلاف للخلاف ، وليس بحجة ولا شبهة ، ثم لم يمكنهم بناء هذا على ذاك حتى خالفوه ، فجعلوا الطهر الذي طلقها فيه قرءا ، ولم يجعلوا طهر المستبرأة التي تجدد عليها الملك فيه ، أو مات سيدها فيه قرءا ، وحتى خالفوا الحديث أيضا ، كما تبين ، وحتى خالفوا المعنى كما بيناه ، ولم يمكنهم هذا البناء إلا بعد هذه الأنواع الثلاثة من المخالفة ، وغاية ما قالوا : إن بعض الحيضة المقترن بالطهر يدل على البراءة ، فيقال لهم فيكون الاعتماد عليهم حينئذ على بعض الحيضة ، وليس ذلك قرءا عند أحد ؟ فإن قالوا : هو اعتماد على بعض حيضة وطهر . 
قلنا : هذا قول ثالث في مسمى القروء  ، ولا يعرف ، وهو أن تكون حقيقته مركبة من حيض وطهر . 
 [ ص: 644 ] فإن قالوا : بل هو اسم للطهر بشرط الحيض . فإذا انتفى الشرط ، انتفى المشروط ، قلنا : هذا إنما يمكن لو علق الشارع الاستبراء بقرء ، فأما مع تصريحه على التعليق بحيضة ، فلا . 
				
						
						
