[ ص: 675 ] فصل
وأما تحريم ، فيستفاد منه تحريم بيع الأصنام ، ومن أي نوع كانت صنما أو وثنا أو صليبا ، وكذلك الكتب المشتملة على الشرك ، وعبادة غير الله ، فهذه كلها يجب إزالتها وإعدامها ، وبيعها ذريعة إلى اقتنائها واتخاذها ، فهو أولى بتحريم البيع من كل ما عداها ، فإن مفسدة بيعها بحسب مفسدتها في نفسها ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤخر ذكرها لخفة أمرها ، ولكنه تدرج من الأسهل إلى ما هو أغلظ منه ، فإن الخمر أحسن حالا من الميتة ، فإنها قد تصير مالا محترما إذا قلبها الله سبحانه ابتداء خلا ، أو قلبها الآدمي بصنعته عند طائفة من العلماء ، وتضمن إذا أتلفت على الذمي عند طائفة بخلاف الميتة ، وإنما لم يجعل الله في أكل الميتة حدا اكتفاء بالزاجر الذي جعله الله في الطباع من كراهتها ، والنفرة عنها ، وإبعادها عنها ، بخلاف الخمر . بيع كل آلة متخذة للشرك على أي وجه كانت
والخنزير أشد تحريما من الميتة ، ولهذا أفرده الله تعالى بالحكم عليه أنه رجس في قوله : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا ) [ الأنعام : 145 ] ، فالضمير في قوله ( فإنه ) وإن كان عوده إلى الثلاثة المذكورة باعتبار لفظ المحرم ، فإنه يترجح اختصاص لحم الخنزير به لثلاثة أوجه . أحدها : قربه منه ، والثاني : تذكيره دون قوله ، فإنها رجس ، والثالث : أنه أتى ( بالفاء ) و( إن ) تنبيها على علة التحريم لتزجر النفوس عنه ، ويقابل هذه العلة ما في طباع بعض الناس من استلذاذه واستطابته ، فنفى عنه ذلك ، وأخبر أنه رجس ، وهذا لا يحتاج إليه في الميتة والدم ، لأن كونهما رجسا أمر مستقر معلوم عندهم ، ولهذا في القرآن نظائر ، فتأملها . ثم ذكر بعد تحريم بيع الأصنام ، وهو أعظم تحريما وإثما ، وأشد منافاة للإسلام من بيع الخمر والميتة والخنزير .
[ ص: 676 ]