وأحاديث اشتراك الناس في الماء دليل ظاهر على المنع من بيعه ، وهذه المسألة التي سئل عنها أحمد هي التي قد ابتلي بها الناس في أرض الشام وبساتينه وغيرها ، فإن الأرض والبستان يكون له حق من الشرب من نهر ، فيفصل عنه ، أو يبنيه دورا وحوانيت ، ويؤجر ماءه ، فقد توقف أحمد أولا ، ثم أجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ، فلما قيل له : إن هذه إجارة ، قال : هذه التسمية حيلة ، وهي تحسين اللفظ ، وحقيقة العقد البيع ، وقواعد الشريعة تقتضي المنع من بيع هذا الماء ، فإنه إنما كان له حق التقديم في سقي أرضه من هذا الماء المشترك بينه وبين غيره ، فإذا استغنى عنه لم يجز له المعاوضة عنه ، وكان المحتاج إليه أولى به بعده ، وهذا كمن أقام على معدن ، فأخذ منه حاجته لم يجز له أن يبيع باقيه بعد نزعه عنه . بيع الماء
[ ص: 712 ] وكذلك ما دام جالسا ، فإذا استغنى عنها ، وأجر مقعده لم يجز ، وكذلك من سبق إلى الجلوس في رحبة أو طريق واسعة ، فهو أحق بها ، فهو أحق برعيه ما دامت دوابه فيه ، فإذا طلب الخروج منها ، وبيع ما فضل عنه لم يكن له ذلك وهكذا هذا الماء سواء ، فإنه إذا فارق أرضه لم يبق له فيه حق ، وصار بمنزلة الكلأ الذي لا اختصاص له به ، ولا هو في أرضه . الأرض المباحة إذا كان فيها كلأ أو عشب ، فسبق بدوابه إليه
فإن قيل : الفرق بينهما أن هذا الماء في نفس أرضه ، فهو منفعة من منافعها ، فملكه بملكها كسائر منافعها بخلاف ما ذكرتم من الصور ، فإن تلك الأعيان ليست من ملكه ، وإنما له حق الانتفاع والتقديم إذا سبق خاصة .
قيل : هذه النكتة التي لأجلها جوز من جوز بيعه ، وجعل ذلك حقا من حقوق أرضه ، فملك المعاوضة عليه وحده كما يملك المعاوضة عليه مع الأرض ، فيقال : حق أرضه في الانتفاع لا في ملك العين التي أودعها الله فيها بوصف الاشتراك ، وجعل حقه في تقديم الانتفاع على غيره في التحجر والمعاوضة ، فهذا القول هو الذي تقتضيه قواعد الشرع وحكمته واشتماله على مصالح العالم ، وعلى هذا فإذا دخل غيره بغير إذنه ، فأخذ منه شيئا ، ملكه ، لأنه مباح في الأصل ، فأشبه ما لو عشش في أرضه طائر ، أو حصل فيها ظبي ، أو نضب ماؤها عن سمك ، فدخل إليه فأخذه .