وأما صيام يوم عاشوراء  فإنه كان يتحرى صومه على سائر الأيام ، ولما قدم المدينة  وجد اليهود  تصومه وتعظمه فقال : ( نحن أحق بموسى  منكم " . فصامه وأمر بصيامه ، وذلك قبل فرض رمضان ، فلما فرض رمضان قال : من شاء صامه ، ومن شاء تركه  ) . 
وقد استشكل بعض الناس هذا وقال : إنما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة  في شهر ربيع الأول ، فكيف يقول  ابن عباس   : إنه قدم المدينة  فوجد اليهود  صياما يوم عاشوراء ؟ 
 [ ص: 64 ] وفيه إشكال آخر ، وهو أنه قد ثبت في " الصحيحين " من حديث  عائشة  أنها قالت : ( كانت قريش  تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان يصومه ، فلما هاجر إلى المدينة  صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض شهر رمضان قال : من شاء صامه ومن شاء تركه  ) . 
وإشكال آخر ، وهو ما ثبت في " الصحيحين " ( أن  الأشعث بن قيس  دخل على  عبد الله بن مسعود  وهو يتغدى ، فقال : يا أبا محمد  ادن إلى الغداء . فقال : أوليس اليوم يوم عاشوراء ؟ فقال : وهل تدري ما يوم عاشوراء ؟ قال : وما هو ؟ قال : إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان تركه  ) . 
وقد روى  مسلم  في " صحيحه " عن  ابن عباس  ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود  والنصارى  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع  ) فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
فهذا فيه أن صومه والأمر بصيامه قبل وفاته بعام وحديثه المتقدم فيه أن ذلك كان عند مقدمه المدينة  ، ثم إن  ابن مسعود  أخبر أن يوم عاشوراء ترك برمضان ، وهذا يخالفه حديث  ابن عباس  المذكور ، ولا يمكن أن يقال : ترك فرضه ، لأنه لم يفرض ، لما ثبت في " الصحيحين " عن  معاوية بن أبي سفيان   ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ،  [ ص: 65 ] وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ، ومن شاء فليفطر "  ) . ومعاوية  إنما سمع هذا بعد الفتح قطعا . 
وإشكال آخر ، وهو أن مسلما  روى في " صحيحه " عن  عبد الله بن عباس  أنه ( لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا اليوم تعظمه اليهود  والنصارى  ، قال : إن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ، فلم يأت العام القابل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم  ) ، ثم روى  مسلم  في " صحيحه " عن الحكم بن الأعرج  قال : ( انتهيت إلى  ابن عباس  وهو متوسد رداءه في زمزم  ، فقلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء . فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ، قلت : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال : نعم  ) . 
وإشكال آخر ، وهو أن صومه إن كان واجبا مفروضا في أول الإسلام فلم يأمرهم بقضائه ، وقد فات تبييت النية له من الليل ، وإن لم يكن فرضا فكيف أمر بإتمام الإمساك من كان أكل ؟ كما في " المسند " والسنن من وجوه متعددة ، أنه عليه  [ ص: 66 ] السلام ( أمر من كان طعم فيه أن يصوم بقية يومه  ) وهذا إنما يكون في الواجب ، وكيف يصح قول  ابن مسعود   : فلما فرض رمضان ترك عاشوراء ، واستحبابه لم يترك ؟ 
وإشكال آخر ، وهو أن  ابن عباس  جعل يوم عاشوراء يوم التاسع ، وأخبر أن هكذا كان يصومه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " ( صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا اليهود  ، صوموا يوما قبله أو يوما بعده  ) ذكره أحمد   . وهو الذي روى : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر  ) . ذكره  الترمذي   . 
فالجواب عن هذه الإشكالات بعون الله وتأييده وتوفيقه : 
أما الإشكال الأول ، وهو أنه لما قدم المدينة  وجدهم يصومون يوم عاشوراء ، فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه ، فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة ، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة  ، ولم يكن وهو بمكة  هذا ، إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية ، وإن كان بالشمسية زال الإشكال بالكلية ، ويكون اليوم الذي نجى الله فيه موسى  هو يوم عاشوراء من أول المحرم ، فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية ، فوافق ذلك مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة  في ربيع الأول ، وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس ، وصوم المسلمين إنما هو بالشهر الهلالي ، وكذلك  [ ص: 67 ] حجهم ، وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو مستحب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نحن أحق بموسى  منكم  ) . 
فظهر حكم هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه ، وهم أخطئوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية ، كما أخطأ النصارى  في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة تختلف فيه الأشهر . 
وأما الإشكال الثاني ، وهو أن قريشا  كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلا ريب أن قريشا  كانت تعظم هذا اليوم ، وكانوا يكسون الكعبة  فيه ، وصومه من تمام تعظيمه ، ولكن إنما كانوا يعدون بالأهلة ، فكان عندهم عاشر المحرم ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة  وجدهم يعظمون ذلك اليوم ويصومونه ، فسألهم عنه فقالوا : هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى  وقومه من فرعون ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( نحن أحق منكم بموسى   ) فصامه وأمر بصيامه تقريرا لتعظيمه وتأكيدا ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه وأمته أحق بموسى  من اليهود  ، فإذا صامه موسى  شكرا لله كنا أحق أن نقتدي به من اليهود  ، لا سيما إذا قلنا : شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالفه شرعنا   . 
فإن قيل : من أين لكم أن موسى  صامه ؟ قلنا : ثبت في " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألهم عنه فقالوا : يوم عظيم نجى الله فيه موسى  وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه ، فصامه موسى  شكرا لله ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فنحن أحق وأولى بموسى  منكم " . فصامه وأمر بصيامه  ) فلما أقرهم على ذلك ولم يكذبهم علم أن موسى  صامه شكرا لله ، فانضم هذا القدر إلى التعظيم الذي كان له قبل الهجرة ، فازداد تأكيدا حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في الأمصار بصومه وإمساك من كان أكل ، والظاهر أنه حتم ذلك عليهم وأوجبه كما سيأتي تقريره . 
وأما الإشكال الثالث : وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء قبل  [ ص: 68 ] أن ينزل فرض رمضان ، فلما نزل فرض رمضان تركه ، فهذا لا يمكن التخلص منه إلا بأن صيامه كان فرضا قبل رمضان ، وحينئذ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه ، ويتعين هذا ولا بد ، لأنه عليه السلام قال قبل وفاته بعام ، وقد قيل له : إن اليهود  يصومونه : ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع  ) أي معه ، وقال : ( خالفوا اليهود  وصوموا يوما قبله أو يوما بعده  ) ، أي : معه ، ولا ريب أن هذا كان في آخر الأمر ، وأما في أول الأمر فكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، فعلم أن استحبابه لم يترك . 
ويلزم من قال : إن صومه لم يكن واجبا ، أحد الأمرين ، إما أن يقول بترك استحبابه ، فلم يبق مستحبا ، أو يقول : هذا قاله  عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه برأيه وخفي عليه استحباب صومه ، وهذا بعيد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على صيامه ، وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية ، واستمر الصحابة على صيامه إلى حين وفاته ، ولم يرو عنه حرف واحد بالنهي عنه وكراهة صومه ، فعلم أن الذي ترك وجوبه لا استحبابه . 
فإن قيل : حديث معاوية  المتفق على صحته صريح في عدم فرضيته وإنه لم يفرض قط . فالجواب : أن حديث معاوية  صريح في نفي استمرار وجوبه ، وأنه الآن غير واجب ، ولا ينفي وجوبا متقدما منسوخا ، فإنه لا يمتنع أن يقال لما كان واجبا ونسخ وجوبه : إن الله لم يكتبه علينا . 
وجواب ثان : أن غايته أن يكون النفي عاما في الزمان الماضي والحاضر ، فيخص بأدلة الوجوب في الماضي وترك النفي في استمرار الوجوب . 
وجواب ثالث : وهو أنه صلى الله عليه وسلم إنما نفى أن يكون فرضه ووجوبه مستفادا من  [ ص: 69 ] جهة القرآن ، ويدل على هذا قوله " إن الله لم يكتبه علينا " وهذا لا ينفي الوجوب بغير ذلك ، فإن الواجب الذي كتبه الله على عباده ، هو ما أخبرهم بأنه كتبه عليهم كقوله تعالى : ( كتب عليكم الصيام   ) [ البقرة : 183 ] فأخبر صلى الله عليه وسلم أن صوم يوم عاشوراء لم يكن داخلا في هذا المكتوب الذي كتبه الله علينا دفعا لتوهم من يتوهم أنه داخل فيما كتبه الله علينا ، فلا تناقض بين هذا وبين الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخا بهذا الصيام المكتوب . يوضح هذا أن معاوية  إنما سمع هذا منه بعد فتح مكة  ، واستقرار فرض رمضان ، ونسخ وجوب عاشوراء به . والذين شهدوا أمره بصيامه والنداء بذلك ، وبالإمساك لمن أكل ، شهدوا ذلك قبل فرض رمضان عند مقدمه المدينة  ، وفرض رمضان كان في السنة الثانية من الهجرة  ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات ، فمن شهد الأمر بصيامه شهده قبل نزول فرض رمضان ، ومن شهد الإخبار عن عدم فرضه شهده في آخر الأمر بعد فرض رمضان ، وإن لم يسلك هذا المسلك تناقضت أحاديث الباب واضطربت . 
فإن قيل : فكيف يكون فرضا ولم يحصل تبييت النية من الليل  وقد قال : ( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل  ) . 
فالجواب أن هذا الحديث مختلف فيه :  [ ص: 70 ] هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من قول حفصة   وعائشة  ؟ فأما حديث حفصة   : فأوقفه عليها معمر  ،  والزهري  ،  وسفيان بن عيينة  ،  ويونس بن يزيد الأيلي  ، عن  الزهري  ، ورفعه بعضهم ، وأكثر أهل الحديث يقولون : الموقوف أصح ، قال  الترمذي   : وقد رواه نافع  عن  ابن عمر  قوله ، وهو أصح . ومنهم من يصحح رفعه لثقة رافعه وعدالته ، وحديث  عائشة  أيضا : روي مرفوعا وموقوفا ، واختلف في تصحيح رفعه . فإن لم يثبت رفعه فلا كلام ، وإن ثبت رفعه فمعلوم أن هذا إنما قاله بعد فرض رمضان ، وذلك متأخر عن الأمر بصيام يوم عاشوراء ، وذلك تجديد حكم واجب وهو التبييت وليس نسخا لحكم ثابت بخطاب ، فإجزاء صيام يوم عاشوراء بنية من النهار كان قبل فرض رمضان وقبل فرض التبييت من الليل ، ثم نسخ وجوب صومه برمضان وتجدد وجوب التبييت فهذه طريقة . 
وطريقة ثانية : هي طريقة أصحاب  أبي حنيفة  أن وجوب صيام يوم عاشوراء تضمن أمرين : وجوب صوم ذلك اليوم وإجزاء صومه بنية من النهار ، ثم نسخ تعيين الواجب بواجب آخر فبقي حكم الإجزاء بنية من النهار غير منسوخ . 
وطريقة ثالثة : وهي أن الواجب تابع للعلم ، ووجوب عاشوراء إنما علم من النهار وحينئذ فلم يكن التبييت ممكنا ، فالنية وجبت وقت تجدد الوجوب والعلم به وإلا كان تكليفا بما لا يطاق وهو ممتنع . قالوا : وعلى هذا إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار أجزأ صومه بنية مقارنة للعلم بالوجوب ، وأصله صوم يوم عاشوراء ، وهذه طريقة شيخنا ، وهي كما تراها أصح الطرق وأقربها إلى موافقة أصول الشرع وقواعده ، وعليها تدل  [ ص: 71 ] الأحاديث ويجتمع شملها الذي يظن تفرقه ويتخلص من دعوى النسخ بغير ضرورة . وغير هذه الطريقة لا بد فيه من مخالفة قاعدة من قواعد الشرع أو مخالفة بعض الآثار . 
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أهل قباء  بإعادة الصلاة التي صلوا بعضها إلى القبلة المنسوخة إذ لم يبلغهم وجوب التحول ، فكذلك من لم يبلغه وجوب فرض الصوم أو لم يتمكن من العلم بسبب وجوبه ، لم يؤمر بالقضاء ، ولا يقال : إنه ترك التبييت الواجب ، إذ وجوب التبييت تابع للعلم بوجوب المبيت ، وهذا في غاية الظهور . 
ولا ريب أن هذه الطريقة أصح من طريقة من يقول : كان عاشوراء فرضا ، وكان يجزئ صيامه بنية من النهار ، ثم نسخ الحكم بوجوبه فنسخت متعلقاته ، ومن متعلقاته إجزاء صيامه بنية من النهار ؛ لأن متعلقاته تابعة له ، وإذا زال المتبوع زالت توابعه وتعلقاته ، فإن إجزاء الصوم الواجب بنية من النهار لم يكن من متعلقات خصوص هذا اليوم ، بل من متعلقات الصوم الواجب ، والصوم الواجب لم يزل ، وإنما زال تعيينه فنقل من محل إلى محل ، والإجزاء بنية من النهار وعدمه من توابع أصل الصوم لا تعيينه . 
وأصح من طريقة من يقول : إن صوم يوم عاشوراء لم يكن واجبا قط ؛ لأنه قد ثبت الأمر به ، وتأكيد الأمر بالنداء العام ، وزيادة تأكيده بالأمر لمن كان أكل بالإمساك ، وكل هذا ظاهر ، قوي في الوجوب ، ويقول  ابن مسعود   : إنه ( لما فرض رمضان ترك عاشوراء  ) . 
ومعلوم أن استحبابه لم يترك بالأدلة التي تقدمت وغيرها فيتعين أن يكون المتروك وجوبه ، فهذه خمس طرق للناس في ذلك . والله أعلم . 
وأما الإشكال الرابع : وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع  ) ، وأنه توفي قبل العام المقبل . وقول  ابن عباس   : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع ،  فابن عباس  روى هذا وهذا ، وصح عنه هذا وهذا ، ولا تنافي بينهما إذ من الممكن أن يصوم التاسع ويخبر أنه إن بقي إلى العام القابل صامه أو يكون  ابن عباس  أخبر عن فعله مستندا إلى ما عزم عليه ،  [ ص: 72 ] ووعد به ، ويصح الإخبار عن ذلك مقيدا أي : كذلك كان يفعل لو بقي ، ومطلقا إذا علم الحال ، وعلى كل واحد من الاحتمالين فلا تنافي بين الخبرين . 
وأما الإشكال الخامس : فقد تقدم جوابه بما فيه كفاية . 
وأما الإشكال السادس : وهو قول  ابن عباس   : اعدد ، وأصبح يوم التاسع صائما . فمن تأمل مجموع روايات  ابن عباس  تبين له زوال الإشكال ، وسعة علم  ابن عباس  ، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع بل قال للسائل : صم اليوم التاسع ، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء ، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه ، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك . فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى ، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به ، وعزمه عليه في المستقبل ، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى : ( صوموا يوما قبله ويوما بعده  ) ، وهو الذي روى : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر  ) . وكل هذه الآثار عنه يصدق بعضها بعضا ويؤيد بعضها بعضا . 
فمراتب صومه ثلاثة أكملها : أن يصام قبله يوم وبعده يوم ، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث ، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم . 
وأما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار ، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها ، وهو بعيد من اللغة والشرع ، والله الموفق للصواب . 
 [ ص: 73 ] وقد سلك بعض أهل العلم مسلكا آخر فقال : قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها ، وذلك يحصل بأحد أمرين : إما بنقل العاشر إلى التاسع ، أو بصيامهما معا . وقوله : ( إذا كان العام المقبل صمنا التاسع  ) يحتمل الأمرين . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين لنا مراده ، فكان الاحتياط صيام اليومين معا ، والطريقة التي ذكرناها أصوب إن شاء الله ، ومجموع أحاديث  ابن عباس  عليها تدل ؛ لأن قوله في حديث أحمد   : ( خالفوا اليهود  ، صوموا يوما قبله أو يوما بعده  ) وقوله في حديث  الترمذي   : ( أمرنا بصيام عاشوراء يوم العاشر  ) يبين صحة الطريقة التي سلكناها . والله أعلم . 
				
						
						
