وأما
nindex.php?page=treesubj&link=31003_2547صيام يوم عاشوراء فإنه كان يتحرى صومه على سائر الأيام ، ولما قدم
المدينة وجد
اليهود تصومه وتعظمه فقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000929نحن أحق بموسى منكم " . فصامه وأمر بصيامه ، وذلك قبل فرض رمضان ، فلما فرض رمضان قال : من شاء صامه ، ومن شاء تركه ) .
وقد استشكل بعض الناس هذا وقال : إنما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة في شهر ربيع الأول ، فكيف يقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إنه قدم
المدينة فوجد
اليهود صياما يوم عاشوراء ؟
[ ص: 64 ] وفيه إشكال آخر ، وهو أنه قد ثبت في " الصحيحين " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها قالت : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000930كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان يصومه ، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض شهر رمضان قال : من شاء صامه ومن شاء تركه ) .
وإشكال آخر ، وهو ما ثبت في " الصحيحين " (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000931أن nindex.php?page=showalam&ids=185الأشعث بن قيس دخل على nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود وهو يتغدى ، فقال : يا أبا محمد ادن إلى الغداء . فقال : أوليس اليوم يوم عاشوراء ؟ فقال : وهل تدري ما يوم عاشوراء ؟ قال : وما هو ؟ قال : إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان تركه ) .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في " صحيحه " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000932أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ) فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذا فيه أن صومه والأمر بصيامه قبل وفاته بعام وحديثه المتقدم فيه أن ذلك كان عند مقدمه
المدينة ، ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أخبر أن يوم عاشوراء ترك برمضان ، وهذا يخالفه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور ، ولا يمكن أن يقال : ترك فرضه ، لأنه لم يفرض ، لما ثبت في " الصحيحين " عن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000933سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، [ ص: 65 ] وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ، ومن شاء فليفطر " ) .
ومعاوية إنما سمع هذا بعد الفتح قطعا .
وإشكال آخر ، وهو أن
مسلما روى في " صحيحه " عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس أنه (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000934لما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا اليوم تعظمه اليهود والنصارى ، قال : إن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ، فلم يأت العام القابل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ثم روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في " صحيحه " عن
الحكم بن الأعرج قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000935انتهيت إلى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم ، فقلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء . فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ، قلت : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال : نعم ) .
وإشكال آخر ، وهو أن صومه إن كان واجبا مفروضا في أول الإسلام فلم يأمرهم بقضائه ، وقد فات تبييت النية له من الليل ، وإن لم يكن فرضا فكيف أمر بإتمام الإمساك من كان أكل ؟ كما في " المسند " والسنن من وجوه متعددة ، أنه عليه
[ ص: 66 ] السلام (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000936أمر من كان طعم فيه أن يصوم بقية يومه ) وهذا إنما يكون في الواجب ، وكيف يصح قول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : فلما فرض رمضان ترك عاشوراء ، واستحبابه لم يترك ؟
وإشكال آخر ، وهو أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس جعل يوم عاشوراء يوم التاسع ، وأخبر أن هكذا كان يصومه صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم " (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000937صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا اليهود ، صوموا يوما قبله أو يوما بعده ) ذكره
أحمد . وهو الذي روى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000938أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر ) . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
فالجواب عن هذه الإشكالات بعون الله وتأييده وتوفيقه :
أما الإشكال الأول ، وهو أنه لما قدم
المدينة وجدهم يصومون يوم عاشوراء ، فليس فيه أن يوم قدومه وجدهم يصومونه ، فإنه إنما قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشرة ، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة في العام الثاني الذي كان بعد قدومه
المدينة ، ولم يكن وهو
بمكة هذا ، إن كان حساب أهل الكتاب في صومه بالأشهر الهلالية ، وإن كان بالشمسية زال الإشكال بالكلية ، ويكون اليوم الذي نجى الله فيه
موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرم ، فضبطه أهل الكتاب بالشهور الشمسية ، فوافق ذلك مقدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة في ربيع الأول ، وصوم أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس ، وصوم المسلمين إنما هو بالشهر الهلالي ، وكذلك
[ ص: 67 ] حجهم ، وجميع ما تعتبر له الأشهر من واجب أو مستحب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000939نحن أحق بموسى منكم ) .
فظهر حكم هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم وفي تعيينه ، وهم أخطئوا تعيينه لدورانه في السنة الشمسية ، كما أخطأ
النصارى في تعيين صومهم بأن جعلوه في فصل من السنة تختلف فيه الأشهر .
وأما الإشكال الثاني ، وهو أن
قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلا ريب أن
قريشا كانت تعظم هذا اليوم ، وكانوا يكسون
الكعبة فيه ، وصومه من تمام تعظيمه ، ولكن إنما كانوا يعدون بالأهلة ، فكان عندهم عاشر المحرم ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة وجدهم يعظمون ذلك اليوم ويصومونه ، فسألهم عنه فقالوا : هو اليوم الذي نجى الله فيه
موسى وقومه من فرعون ، فقال صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000940نحن أحق منكم بموسى ) فصامه وأمر بصيامه تقريرا لتعظيمه وتأكيدا ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه وأمته أحق
بموسى من
اليهود ، فإذا صامه
موسى شكرا لله كنا أحق أن نقتدي به من
اليهود ، لا سيما إذا قلنا :
nindex.php?page=treesubj&link=27262شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالفه شرعنا .
فإن قيل : من أين لكم أن
موسى صامه ؟ قلنا : ثبت في " الصحيحين "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000941أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألهم عنه فقالوا : يوم عظيم نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه ، فصامه موسى شكرا لله ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فنحن أحق وأولى بموسى منكم " . فصامه وأمر بصيامه ) فلما أقرهم على ذلك ولم يكذبهم علم أن
موسى صامه شكرا لله ، فانضم هذا القدر إلى التعظيم الذي كان له قبل الهجرة ، فازداد تأكيدا حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في الأمصار بصومه وإمساك من كان أكل ، والظاهر أنه حتم ذلك عليهم وأوجبه كما سيأتي تقريره .
وأما الإشكال الثالث : وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء قبل
[ ص: 68 ] أن ينزل فرض رمضان ، فلما نزل فرض رمضان تركه ، فهذا لا يمكن التخلص منه إلا بأن صيامه كان فرضا قبل رمضان ، وحينئذ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه ، ويتعين هذا ولا بد ، لأنه عليه السلام قال قبل وفاته بعام ، وقد قيل له : إن
اليهود يصومونه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000942لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع ) أي معه ، وقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000943خالفوا اليهود وصوموا يوما قبله أو يوما بعده ) ، أي : معه ، ولا ريب أن هذا كان في آخر الأمر ، وأما في أول الأمر فكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، فعلم أن استحبابه لم يترك .
ويلزم من قال : إن صومه لم يكن واجبا ، أحد الأمرين ، إما أن يقول بترك استحبابه ، فلم يبق مستحبا ، أو يقول : هذا قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه برأيه وخفي عليه استحباب صومه ، وهذا بعيد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثهم على صيامه ، وأخبر أن صومه يكفر السنة الماضية ، واستمر الصحابة على صيامه إلى حين وفاته ، ولم يرو عنه حرف واحد بالنهي عنه وكراهة صومه ، فعلم أن الذي ترك وجوبه لا استحبابه .
فإن قيل : حديث
معاوية المتفق على صحته صريح في عدم فرضيته وإنه لم يفرض قط . فالجواب : أن حديث
معاوية صريح في نفي استمرار وجوبه ، وأنه الآن غير واجب ، ولا ينفي وجوبا متقدما منسوخا ، فإنه لا يمتنع أن يقال لما كان واجبا ونسخ وجوبه : إن الله لم يكتبه علينا .
وجواب ثان : أن غايته أن يكون النفي عاما في الزمان الماضي والحاضر ، فيخص بأدلة الوجوب في الماضي وترك النفي في استمرار الوجوب .
وجواب ثالث : وهو أنه صلى الله عليه وسلم إنما نفى أن يكون فرضه ووجوبه مستفادا من
[ ص: 69 ] جهة القرآن ، ويدل على هذا قوله " إن الله لم يكتبه علينا " وهذا لا ينفي الوجوب بغير ذلك ، فإن الواجب الذي كتبه الله على عباده ، هو ما أخبرهم بأنه كتبه عليهم كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام ) [ البقرة : 183 ] فأخبر صلى الله عليه وسلم أن صوم يوم عاشوراء لم يكن داخلا في هذا المكتوب الذي كتبه الله علينا دفعا لتوهم من يتوهم أنه داخل فيما كتبه الله علينا ، فلا تناقض بين هذا وبين الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخا بهذا الصيام المكتوب . يوضح هذا أن
معاوية إنما سمع هذا منه بعد فتح
مكة ، واستقرار فرض رمضان ، ونسخ وجوب عاشوراء به . والذين شهدوا أمره بصيامه والنداء بذلك ، وبالإمساك لمن أكل ، شهدوا ذلك قبل فرض رمضان عند مقدمه
المدينة ،
nindex.php?page=treesubj&link=2335وفرض رمضان كان في السنة الثانية من الهجرة ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات ، فمن شهد الأمر بصيامه شهده قبل نزول فرض رمضان ، ومن شهد الإخبار عن عدم فرضه شهده في آخر الأمر بعد فرض رمضان ، وإن لم يسلك هذا المسلك تناقضت أحاديث الباب واضطربت .
فإن قيل : فكيف يكون فرضا ولم يحصل
nindex.php?page=treesubj&link=28278تبييت النية من الليل وقد قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000944لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ) .
فالجواب أن هذا الحديث مختلف فيه :
[ ص: 70 ] هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من قول
حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ؟ فأما حديث
حفصة : فأوقفه عليها
معمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17423ويونس بن يزيد الأيلي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، ورفعه بعضهم ، وأكثر أهل الحديث يقولون : الموقوف أصح ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : وقد رواه
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قوله ، وهو أصح . ومنهم من يصحح رفعه لثقة رافعه وعدالته ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أيضا : روي مرفوعا وموقوفا ، واختلف في تصحيح رفعه . فإن لم يثبت رفعه فلا كلام ، وإن ثبت رفعه فمعلوم أن هذا إنما قاله بعد فرض رمضان ، وذلك متأخر عن الأمر بصيام يوم عاشوراء ، وذلك تجديد حكم واجب وهو التبييت وليس نسخا لحكم ثابت بخطاب ، فإجزاء صيام يوم عاشوراء بنية من النهار كان قبل فرض رمضان وقبل فرض التبييت من الليل ، ثم نسخ وجوب صومه برمضان وتجدد وجوب التبييت فهذه طريقة .
وطريقة ثانية : هي طريقة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن وجوب صيام يوم عاشوراء تضمن أمرين : وجوب صوم ذلك اليوم وإجزاء صومه بنية من النهار ، ثم نسخ تعيين الواجب بواجب آخر فبقي حكم الإجزاء بنية من النهار غير منسوخ .
وطريقة ثالثة : وهي أن الواجب تابع للعلم ، ووجوب عاشوراء إنما علم من النهار وحينئذ فلم يكن التبييت ممكنا ، فالنية وجبت وقت تجدد الوجوب والعلم به وإلا كان تكليفا بما لا يطاق وهو ممتنع . قالوا : وعلى هذا إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار أجزأ صومه بنية مقارنة للعلم بالوجوب ، وأصله صوم يوم عاشوراء ، وهذه طريقة شيخنا ، وهي كما تراها أصح الطرق وأقربها إلى موافقة أصول الشرع وقواعده ، وعليها تدل
[ ص: 71 ] الأحاديث ويجتمع شملها الذي يظن تفرقه ويتخلص من دعوى النسخ بغير ضرورة . وغير هذه الطريقة لا بد فيه من مخالفة قاعدة من قواعد الشرع أو مخالفة بعض الآثار .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر
أهل قباء بإعادة الصلاة التي صلوا بعضها إلى القبلة المنسوخة إذ لم يبلغهم وجوب التحول ، فكذلك من لم يبلغه وجوب فرض الصوم أو لم يتمكن من العلم بسبب وجوبه ، لم يؤمر بالقضاء ، ولا يقال : إنه ترك التبييت الواجب ، إذ وجوب التبييت تابع للعلم بوجوب المبيت ، وهذا في غاية الظهور .
ولا ريب أن هذه الطريقة أصح من طريقة من يقول : كان عاشوراء فرضا ، وكان يجزئ صيامه بنية من النهار ، ثم نسخ الحكم بوجوبه فنسخت متعلقاته ، ومن متعلقاته إجزاء صيامه بنية من النهار ؛ لأن متعلقاته تابعة له ، وإذا زال المتبوع زالت توابعه وتعلقاته ، فإن إجزاء الصوم الواجب بنية من النهار لم يكن من متعلقات خصوص هذا اليوم ، بل من متعلقات الصوم الواجب ، والصوم الواجب لم يزل ، وإنما زال تعيينه فنقل من محل إلى محل ، والإجزاء بنية من النهار وعدمه من توابع أصل الصوم لا تعيينه .
وأصح من طريقة من يقول : إن صوم يوم عاشوراء لم يكن واجبا قط ؛ لأنه قد ثبت الأمر به ، وتأكيد الأمر بالنداء العام ، وزيادة تأكيده بالأمر لمن كان أكل بالإمساك ، وكل هذا ظاهر ، قوي في الوجوب ، ويقول
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إنه (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000945لما فرض رمضان ترك عاشوراء ) .
ومعلوم أن استحبابه لم يترك بالأدلة التي تقدمت وغيرها فيتعين أن يكون المتروك وجوبه ، فهذه خمس طرق للناس في ذلك . والله أعلم .
وأما الإشكال الرابع : وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000946لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) ، وأنه توفي قبل العام المقبل . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع ،
nindex.php?page=showalam&ids=11فابن عباس روى هذا وهذا ، وصح عنه هذا وهذا ، ولا تنافي بينهما إذ من الممكن أن يصوم التاسع ويخبر أنه إن بقي إلى العام القابل صامه أو يكون
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أخبر عن فعله مستندا إلى ما عزم عليه ،
[ ص: 72 ] ووعد به ، ويصح الإخبار عن ذلك مقيدا أي : كذلك كان يفعل لو بقي ، ومطلقا إذا علم الحال ، وعلى كل واحد من الاحتمالين فلا تنافي بين الخبرين .
وأما الإشكال الخامس : فقد تقدم جوابه بما فيه كفاية .
وأما الإشكال السادس : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : اعدد ، وأصبح يوم التاسع صائما . فمن تأمل مجموع روايات
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس تبين له زوال الإشكال ، وسعة علم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع بل قال للسائل : صم اليوم التاسع ، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء ، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه ، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك . فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى ، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به ، وعزمه عليه في المستقبل ، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000947صوموا يوما قبله ويوما بعده ) ، وهو الذي روى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000948أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر ) . وكل هذه الآثار عنه يصدق بعضها بعضا ويؤيد بعضها بعضا .
فمراتب صومه ثلاثة أكملها : أن يصام قبله يوم وبعده يوم ، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث ، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم .
وأما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار ، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها ، وهو بعيد من اللغة والشرع ، والله الموفق للصواب .
[ ص: 73 ] وقد سلك بعض أهل العلم مسلكا آخر فقال : قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها ، وذلك يحصل بأحد أمرين : إما بنقل العاشر إلى التاسع ، أو بصيامهما معا . وقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000949إذا كان العام المقبل صمنا التاسع ) يحتمل الأمرين . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين لنا مراده ، فكان الاحتياط صيام اليومين معا ، والطريقة التي ذكرناها أصوب إن شاء الله ، ومجموع أحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عليها تدل ؛ لأن قوله في حديث
أحمد : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000950خالفوا اليهود ، صوموا يوما قبله أو يوما بعده ) وقوله في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000951أمرنا بصيام عاشوراء يوم العاشر ) يبين صحة الطريقة التي سلكناها . والله أعلم .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31003_2547صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ ، وَلَمَّا قَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَجَدَ
الْيَهُودَ تَصُومُهُ وَتُعَظِّمُهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000929نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ : مَنْ شَاءَ صَامَهُ ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ ) .
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا وَقَالَ : إِنَّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، فَكَيْفَ يَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : إِنَّهُ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ
الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟
[ ص: 64 ] وَفِيهِ إِشْكَالٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أَنَّهَا قَالَتْ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000930كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ يَصُومُهُ ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ : مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ ) .
وَإِشْكَالٌ آخَرُ ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000931أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=185الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَتَغَدَّى ، فَقَالَ : يَا أبا محمد ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ . فَقَالَ : أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَ : وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ؟ قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ ) .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فِي " صَحِيحِهِ " عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000932أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ) فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَهَذَا فِيهِ أَنَّ صَوْمَهُ وَالْأَمْرَ بِصِيَامِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ وَحَدِيثُهُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ
الْمَدِينَةَ ، ثُمَّ إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنَ مَسْعُودٍ أَخْبَرَ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ تُرِكَ بِرَمَضَانَ ، وَهَذَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : تُرِكَ فَرْضُهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ ، لِمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000933سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، [ ص: 65 ] وَأَنَا صَائِمٌ ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ " ) .
ومعاوية إِنَّمَا سَمِعَ هَذَا بَعْدَ الْفَتْحِ قَطْعًا .
وَإِشْكَالٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ
مسلما رَوَى فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000934لَمَّا قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، قَالَ : إِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التّاسِعَ ، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْقَابِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، ثُمَّ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فِي " صَحِيحِهِ " عَنِ
الحكم بن الأعرج قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000935انْتَهَيْتُ إِلَى nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ . فَقَالَ : إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التّاسِعِ صَائِمًا ، قُلْتُ : هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ) .
وَإِشْكَالٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ صَوْمَهُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا مَفْرُوضًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَائِهِ ، وَقَدْ فَاتَ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ لَهُ مِنَ اللَّيْلِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَكَيْفَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ ؟ كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ " وَالسُّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، أَنَّهُ عَلَيْهِ
[ ص: 66 ] السَّلَامُ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000936أَمَرَ مَنْ كَانَ طَعِمَ فِيهِ أَنْ يَصُومَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ) وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ ، وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ ، وَاسْتِحْبَابُهُ لَمْ يُتْرَكْ ؟
وَإِشْكَالٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ جَعَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ التَّاسِعِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ هَكَذَا كَانَ يَصُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000937صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ ، صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ ) ذَكَرَهُ
أحمد . وَهُوَ الَّذِي رَوَى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000938أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ ) . ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
فَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ :
أَمَّا الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ يَوْمَ قُدُومِهِ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَهُ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ثَانِي عَشْرَةَ ، وَلَكِنَّ أَوَّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِوُقُوعِ الْقِصَّةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي الَّذِي كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ
الْمُدِينَةَ ، وَلَمْ يَكُنْ وَهُوَ
بِمَكَّةَ هَذَا ، إِنْ كَانَ حِسَابُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي صَوْمِهِ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ بِالشَّمْسِيَّةِ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ فِيهِ
مُوسَى هُوَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ ، فَضَبَطَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالشُّهُورِ الشَّمْسِيَّةِ ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَقْدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَصَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ إِنَّمَا هُوَ بِحِسَابِ سَيْرِ الشّمْسِ ، وَصَوْمُ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُوَ بِالشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ ، وَكَذَلِكَ
[ ص: 67 ] حَجُّهُمْ ، وَجَمِيعُ مَا تُعْتَبَرُ لَهُ الْأَشْهُرُ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000939نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ) .
فَظَهَرَ حُكْمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ وَفِي تَعْيِينِهِ ، وَهُمْ أَخْطَئُوا تَعْيِينَهُ لِدَوَرَانِهِ فِي السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ ، كَمَا أَخْطَأَ
النَّصَارَى فِي تَعْيِينِ صَوْمِهِمْ بِأَنْ جَعَلُوهُ فِي فَصْلٍ مِنَ السَّنَةِ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَشْهُرُ .
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي ، وَهُوَ أَنَّ
قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ
قُرَيْشًا كَانَتْ تُعَظِّمُ هَذَا الْيَوْمَ ، وَكَانُوا يَكْسُونَ
الْكَعْبَةَ فِيهِ ، وَصَوْمُهُ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِهِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ بِالْأَهِلَّةِ ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ عَاشِرَ الْمُحَرَّمِ ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَصُومُونَهُ ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا : هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ فِيهِ
مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000940نَحْنُ أَحَقُّ مِنْكُمْ بِمُوسَى ) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ تَقْرِيرًا لِتَعْظِيمِهِ وَتَأْكِيدًا ، وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَأُمَّتَهُ أَحَقُّ
بِمُوسَى مِنَ
الْيَهُودِ ، فَإِذَا صَامَهُ
مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ كُنَّا أَحَقَّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنَ
الْيَهُودِ ، لَا سِيَّمَا إِذَا قُلْنَا :
nindex.php?page=treesubj&link=27262شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا .
فَإِنْ قِيلَ : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ
مُوسَى صَامَهُ ؟ قُلْنَا : ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000941أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا : يَوْمٌ عَظِيمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَأَغْرَقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) فَلَمَّا أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمْ عُلِمَ أَنَّ
مُوسَى صَامَهُ شُكْرًا لِلَّهِ ، فَانْضَمَّ هَذَا الْقَدْرُ إِلَى التَّعْظِيمِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، فَازْدَادَ تَأْكِيدًا حَتَّى بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَمْصَارِ بِصَوْمِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَتَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ .
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ
[ ص: 68 ] أَنْ يَنْزِلَ فَرْضُ رَمَضَانَ ، فَلَمَّا نَزَلَ فَرْضُ رَمَضَانَ تَرَكَهُ ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إِلَّا بِأَنَّ صِيَامَهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ رَمَضَانَ ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَ صَوْمِهِ لَا اسْتِحْبَابَهُ ، وَيَتَعَيَّنُ هَذَا وَلَا بُدَّ ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ : إِنَّ
الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000942لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) أَيْ مَعَهُ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000943خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ ) ، أَيْ : مَعَهُ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ ، وَأَمَّا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَكَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ، فَعُلِمَ أَنَّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ .
وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ : إِنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا ، أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ ، إِمَّا أَنْ يَقُولَ بِتَرْكِ اسْتِحْبَابِهِ ، فَلَمْ يَبْقَ مُسْتَحَبًّا ، أَوْ يَقُولَ : هَذَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَأْيِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهِ ، وَهَذَا بَعِيدٌ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّهُمْ عَلَى صِيَامِهِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ ، وَاسْتَمَرَّ الصَّحَابَةُ عَلَى صِيَامِهِ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَكَرَاهَةِ صَوْمِهِ ، فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي تُرِكَ وُجُوبُهُ لَا اسْتِحْبَابُهُ .
فَإِنْ قِيلَ : حَدِيثُ
معاوية الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ وَإِنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَطُّ . فَالْجَوَابُ : أَنَّ حَدِيثَ
معاوية صَرِيحٌ فِي نَفْيِ اسْتِمْرَارِ وُجُوبِهِ ، وَأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَلَا يَنْفِي وُجُوبًا مُتَقَدِّمًا مَنْسُوخًا ، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا وَنُسِخَ وُجُوبُهُ : إِنّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا .
وَجَوَابٌ ثَانٍ : أَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ عَامًّا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ ، فَيُخَصُّ بِأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي وَتَرْكِ النَّفْيِ فِي اسْتِمْرَارِ الْوُجُوبِ .
وَجَوَابٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ فَرْضُهُ وَوُجُوبُهُ مُسْتَفَادًا مِنْ
[ ص: 69 ] جِهَةِ الْقُرْآنِ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا " وَهَذَا لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ ، هُوَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ كَتَبَهُ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) [ الْبَقَرَةِ : 183 ] فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي هَذَا الْمَكْتُوبِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا ، فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَمْرِ السَّابِقِ بِصِيَامِهِ الَّذِي صَارَ مَنْسُوخًا بِهَذَا الصِّيَامِ الْمَكْتُوبِ . يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ
معاوية إِنَّمَا سُمِعَ هَذَا مِنْهُ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ ، وَاسْتِقْرَارِ فَرْضِ رَمَضَانَ ، وَنَسْخِ وُجُوبِ عَاشُورَاءَ بِهِ . وَالَّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِهِ وَالنِّدَاءِ بِذَلِكَ ، وَبِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ ، شَهِدُوا ذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ
الْمَدِينَةَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=2335وَفَرْضُ رَمَضَانَ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ ، فَمَنْ شَهِدَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ شَهِدَهُ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ رَمَضَانَ ، وَمَنْ شَهِدَ الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَمِ فَرْضِهِ شَهِدَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ تَنَاقَضَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاضْطَرَبَتْ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْضًا وَلَمْ يَحْصُلْ
nindex.php?page=treesubj&link=28278تَبْيِيتُ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيْلِ وَقَدْ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000944لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ ) .
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ :
[ ص: 70 ] هَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ مِنْ قَوْلِ
حفصة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ؟ فَأَمَّا حَدِيثُ
حفصة : فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهَا
معمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17423وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ : الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : وَقَدْ رَوَاهُ
نافع عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ ، وَهُوَ أَصَحُّ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ رَفْعَهُ لِثِقَةِ رَافِعِهِ وَعَدَالَتِهِ ، وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أَيْضًا : رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا ، وَاخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِ رَفْعِهِ . فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَلَا كَلَامَ ، وَإِنْ ثَبَتَ رَفْعُهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ ، وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْأَمْرِ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَذَلِكَ تَجْدِيدُ حُكْمٍ وَاجِبٍ وَهُوَ التَّبْيِيتُ وَلَيْسَ نَسْخًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِخِطَابٍ ، فَإِجْزَاءُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَقَبْلَ فَرْضِ التَّبْيِيتِ مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِرَمَضَانَ وَتَجَدَّدَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ .
وَطَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ : هِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أَنَّ وُجُوبَ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ : وُجُوبَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِجْزَاءَ صَوْمِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ ، ثُمَّ نُسِخَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ بِوَاجِبٍ آخَرَ فَبَقِيَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ .
وَطَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ : وَهِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ ، وَوُجُوبُ عَاشُورَاءَ إِنَّمَا عُلِمَ مِنَ النَّهَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنِ التَّبْيِيتُ مُمْكِنًا ، فَالنِّيَّةُ وَجَبَتْ وَقْتَ تَجَدُّدِ الْوُجُوبِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ . قَالُوا : وَعَلَى هَذَا إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ ، وَأَصْلُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا ، وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحُّ الطُّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ ، وَعَلَيْهَا تَدُلُّ
[ ص: 71 ] الْأَحَادِيثُ وَيَجْتَمِعُ شَمْلُهَا الَّذِي يُظَنُّ تَفَرُّقُهُ وَيُتَخَلَّصُ مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ . وَغَيْرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ أَوْ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الْآثَارِ .
وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ
أَهْلَ قُبَاءٍ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّوْا بَعْضَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ إِذْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وُجُوبُ التَّحَوُّلِ ، فَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ وُجُوبُ فَرْضِ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْعِلْمِ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ ، لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ ، وَلَا يُقَالُ : إِنَّهُ تَرَكَ التَّبْيِيتَ الْوَاجِبَ ، إِذْ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْمُبَيَّتِ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ أَصَحُّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ : كَانَ عَاشُورَاءُ فَرْضًا ، وَكَانَ يُجْزِئُ صِيَامُهُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ ، ثُمَّ نُسِخَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهِ فَنُسِخَتْ مُتَعَلِّقَاتُهُ ، وَمِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ إِجْزَاءُ صِيَامِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَاتِهِ تَابِعَةٌ لَهُ ، وَإِذَا زَالَ الْمَتْبُوعُ زَالَتْ تَوَابِعُهُ وَتَعَلُّقَاتُهُ ، فَإِنَّ إِجْزَاءَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ خُصُوصِ هَذَا الْيَوْمِ ، بَلْ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ ، وَالصَّوْمُ الْوَاجِبُ لَمْ يَزُلْ ، وَإِنَّمَا زَالَ تَعْيِينُهُ فَنُقِلَ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ ، وَالْإِجْزَاءُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَعَدَمِهِ مِنْ تَوَابِعِ أَصْلِ الصَّوْمِ لَا تَعْيِينِهِ .
وَأَصَحُّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطُّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ ، وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ ، وَزِيَادَةُ تَأْكِيدِهِ بِالْأَمْرِ لِمَنْ كَانَ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ ، وَكُلُّ هَذَا ظَاهِرٌ ، قَوِيٌّ فِي الْوُجُوبِ ، وَيَقُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ : إِنَّهُ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000945لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ ) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَغَيْرِهَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَهُ ، فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الرَّابِعُ : وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000946لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) ، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ . وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11فَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا وَهَذَا ، وَصَحَّ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا إِذْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ وَيُخْبِرَ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ إِلَى الْعَامِ الْقَابِلِ صَامَهُ أَوْ يَكُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِهِ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ ،
[ ص: 72 ] وَوَعَدَ بِهِ ، وَيَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْ ذَلِكَ مُقَيَّدًا أَيْ : كَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ لَوْ بَقِيَ ، وَمُطْلَقًا إِذَا عُلِمَ الْحَالُ ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ .
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الْخَامِسُ : فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ .
وَأَمَّا الْإِشْكَالُ السَّادِسُ : وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : اعْدُدْ ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا . فَمَنْ تَأَمَّلَ مَجْمُوعَ رِوَايَاتِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ تَبَيَّنَ لَهُ زَوَالُ الْإِشْكَالِ ، وَسِعَةُ عِلْمِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ بَلْ قَالَ لِلسَّائِلِ : صُمِ الْيَوْمَ التَّاسِعَ ، وَاكْتَفَى بِمَعْرِفَةِ السَّائِلِ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ الَّذِي يَعُدُّهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَأَرْشَدَ السَّائِلَ إِلَى صِيَامِ التَّاسِعِ مَعَهُ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُ كَذَلِكَ . فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ ، وَعَزْمِهِ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَوَى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000947صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ ) ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000948أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ ) . وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ عَنْهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُؤَيِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا .
فَمَرَاتِبُ صَوْمِهِ ثَلَاثَةٌ أَكْمَلُهَا : أَنْ يُصَامَ قَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ ، وَيَلِي ذَلِكَ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ ، وَيَلِي ذَلِكَ إِفْرَادُ الْعَاشِرِ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ .
وَأَمَّا إِفْرَادُ التَّاسِعِ فَمِنْ نَقْصِ فَهْمِ الْآثَارِ ، وَعَدَمِ تَتَبُّعِ أَلْفَاظِهَا وَطُرُقِهَا ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ .
[ ص: 73 ] وَقَدْ سَلَكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَسْلَكًا آخَرَ فَقَالَ : قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْقَصْدَ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِهَا ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا بِنَقْلِ الْعَاشِرِ إِلَى التَّاسِعِ ، أَوْ بِصِيَامِهِمَا مَعًا . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000949إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا التَّاسِعَ ) يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ . فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَنَا مُرَادُهُ ، فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ صِيَامَ الْيَوْمَيْنِ مَعًا ، وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَصْوَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَمَجْمُوعُ أَحَادِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهَا تَدُلُّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ
أحمد : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000950خَالِفُوا الْيَهُودَ ، صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ ) وَقَوْلَهُ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000951أُمِرْنَا بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ ) يُبَيِّنُ صِحَّةَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَلَكْنَاهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .