فصل
وأما من قال : إنه اعتمر عمرة حل منها ، كما قاله ومن وافقه ، فعذرهم ما صح عن القاضي أبو يعلى ، ابن عمر ، وعائشة وغيرهم وعمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم تمتع ، وهذا يحتمل أنه تمتع حل منه ، ويحتمل أنه لم يحل ، فلما أخبر معاوية أنه قصر عن رأسه بمشقص على المروة ، وحديثه في " الصحيحين " دل على أنه حل من إحرامه ، ولا يمكن أن يكون هذا في غير حجة الوداع ؛ لأن معاوية إنما أسلم بعد الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن زمن الفتح محرما ، ولا يمكن أن يكون في عمرة الجعرانة لوجهين ، أحدهما : أن في بعض ألفاظ الحديث الصحيح " وذلك في حجته " .
والثاني : أن في رواية بإسناد صحيح ( وذلك في أيام العشر ) وهذا إنما كان في حجته ، وحمل هؤلاء رواية من روى أن المتعة كانت له خاصة [ ص: 121 ] على أن طائفة منهم خصوا بالتحليل من الإحرام مع سوق الهدي دون من ساق الهدي من الصحابة ، وأنكر ذلك عليهم آخرون ، منهم شيخنا النسائي أبو العباس . وقالوا : من تأمل الأحاديث المستفيضة الصحيحة ، تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل لا هو ولا أحد ممن ساق الهدي .