وأما من قال : إنه ، كما قاله كثير من فقهاء حج قارنا قرانا طاف له طوافين ، وسعى له سعيين الكوفة ، فعذره ما رواه من حديث الدارقطني مجاهد ، ، أنه جمع بين حج وعمرة معا ، وقال : سبيلهما واحد ، قال : وطاف لهما طوافين ، وسعى لهما سعيين . وقال : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت ابن عمر . عن
، أنه جمع بينهما ، وطاف لهما طوافين ، وسعى لهما سعيين ، وقال : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت علي بن أبي طالب . وعن
وعن علي - رضي الله عنه - أيضا . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا ، فطاف طوافين ، وسعى سعيين
وعن علقمة ، عن قال : عبد الله بن مسعود وأبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود . وعن طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحجته وعمرته طوافين ، وسعى سعيين ، عمران بن حصين . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف طوافين ، وسعى سعيين
وما أحسن هذا العذر لو كانت هذه الأحاديث صحيحة ، بل لا يصح منها حرف واحد .
أما حديث ففيه ابن عمر الحسن بن عمارة ، وقال : لم يروه عن الدارقطني الحكم غير الحسن بن عمارة ، وهو متروك الحديث .
[ ص: 137 ] وأما حديث علي - رضي الله عنه - الأول ، فيرويه حفص بن أبي داود . وقال أحمد : ومسلم حفص متروك الحديث . وقال : هو كذاب يضع الحديث ، وفيه ابن خراش ، ضعيف . محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
وأما حديثه الثاني : فيرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي . حدثني أبي عن أبيه عن جده قال : الدارقطني عيسى بن عبد الله يقال له مبارك ، وهو متروك الحديث .
وأما حديث علقمة عن عبد الله ، فيرويه أبو بردة عمرو بن يزيد ، عن حماد عن إبراهيم ، عن علقمة . قال : الدارقطني وأبو بردة ضعيف ، ومن دونه في الإسناد ضعفاء انتهى . وفيه عبد العزيز بن أبان ، قال يحيى : هو كذاب خبيث . وقال الرازي : متروك الحديث . والنسائي
وأما حديث ، فهو مما غلط فيه عمران بن حصين محمد بن يحيى الأزدي ، وحدث به من حفظه ، فوهم فيه ، وقد حدث به على الصواب مرارا ، ويقال : إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي .
وقد روى ، الإمام أحمد ، والترمذي في " صحيحه " من حديث وابن حبان الدراوردي ، عن ، عن عبيد الله بن عمر نافع ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ابن عمر ) . ولفظ من قرن بين حجته وعمرته ، أجزأه لهما طواف واحد : ( الترمذي ، حتى يحل منهما جميعا من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف وسعي واحد عنهما ) .
وفي الصحيحين ( عن - رضي الله عنها - قالت : عائشة ) . خرجنا مع [ ص: 138 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال : " من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ، فطاف الذين أهلوا بالعمرة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا
وصح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لعائشة بالبيت وبالصفا والمروة ، يكفيك لحجك وعمرتك ) . إن طوافك
وروى ، عن عبد الملك بن أبي سليمان عطاء ، عن ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس . طاف طوافا واحدا لحجه وعمرته وعبد الملك : أحد الثقات المشهورين ، احتج به ، وأصحاب السنن . وكان يقال له : الميزان ، ولم يتكلم فيه بضعف ولا جرح ، وإنما أنكر عليه حديث الشفعة . مسلم
وتلك شكاة ظاهر عنه عارها
وقد روى عن الترمذي جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا وإن كان فيه قرن بين الحج والعمرة ، وطاف لهما طوافا واحدا ، فقد روى عنه الحجاج بن أرطاة سفيان ، وشعبة ، ، وابن نمير وعبد الرزاق ، والخلق عنه . قال : وما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه ، وعيب عليه التدليس ، وقل من سلم منه . وقال الثوري أحمد : كان من الحفاظ ، وقال : ليس بالقوي ، وهو صدوق يدلس . وقال ابن معين أبو حاتم : إذا قال حدثنا ، فهو صادق لا نرتاب في صدقه وحفظه .
وقد روى ، من حديث الدارقطني قال : حدثني ليث بن أبي سليم عطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، عن جابر ، وعن ، وعن ابن عمر ، ابن عباس الصفا والمروة إلا طوافا واحدا لعمرتهم وحجهم ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم [ ص: 139 ] يطف هو وأصحابه بين ، احتج به أهل السنن الأربعة ، واستشهد به وليث بن أبي سليم ، وقال مسلم : لا بأس به ، وقال ابن معين : كان صاحب سنة ، وإنما أنكروا عليه الجمع بين الدارقطني عطاء وطاووس ومجاهد حسب ، وقال عبد الوارث : كان من أوعية العلم ، وقال أحمد : مضطرب الحديث ، ولكن حدث عنه الناس ، وضعفه ، النسائي ويحيى في رواية عنه ، ومثل هذا حديثه حسن . وإن لم يبلغ رتبة الصحة .
وفي " الصحيحين " عن جابر قال : ( ، ثم وجدها تبكي فقال : " ما يبكيك ؟ " ، فقالت : قد حضت وقد حل الناس ، ولم أحل ولم أطف عائشة بالبيت ، فقال : " اغتسلي ثم أهلي ففعلت ، ثم وقفت المواقف حتى إذا طهرت ، طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ، ثم قال : " قد حللت من حجك وعمرتك جميعا ) . دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على
وهذا يدل على ثلاثة أمور ، أحدها : أنها كانت قارنة ، والثاني : أن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد . والثالث أنه لا يجب عليها قضاء تلك العمرة التي حاضت فيها ، ثم أدخلت عليها الحج ، وأنها لم ترفض إحرام العمرة بحيضها ، وإنما رفضت أعمالها والاقتصار عليها ، لم تطف أولا طواف القدوم ، بل لم تطف إلا بعد التعريف وسعت مع ذلك ، فإذا كان طواف الإفاضة والسعي بعد يكفي القارن ، فلأن يكفيه طواف القدوم مع طواف الإفاضة ، والسعي بعد يكفي القارن ، فلأن يكفيه طواف القدوم مع طواف الإفاضة ، وسعي واحد مع أحدهما بطريق الأولى ، لكن وعائشة تعذر عليها الطواف الأول ، فصارت قصتها حجة ، فإن المرأة التي يتعذر عليها الطواف الأول ، تفعل كما فعلت عائشة ، تدخل [ ص: 140 ] الحج على العمرة ، وتصير قارنة ، ويكفيها لهما طواف الإفاضة والسعي عقيبه . عائشة
قال : ومما يبين أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يطف طوافين ، ولا سعى سعيين . قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنها : وأما الذين جمعوا الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا . متفق عليه . وقول عائشة جابر : الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ، طوافه الأول . رواه لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بين . وقوله مسلم : ( لعائشة يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك ) رواه . وقوله لها في رواية مسلم أبي داود : ( بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك جميعا ) . طوافك
وقوله لها في الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة وبين الصفا والمروة : " " ، قال : والصحابة الذين نقلوا حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم نقلوا أنهم لما طافوا قد حللت من حجك وعمرتك جميعا بالبيت وبين الصفا والمروة ، أمرهم بالتحليل إلا من ساق الهدي ، فإنه لا يحل إلا يوم النحر ، ولم ينقل أحد منهم أن أحدا منهم طاف وسعى ، ثم طاف وسعى . ومن المعلوم ، أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله . فلما لم ينقله أحد من الصحابة ، علم أنه لم يكن .
وعمدة من قال بالطوافين والسعيين ، أثر يرويه الكوفيون ، عن علي وآخر عن رضي الله عنهما . ابن مسعود
وقد روى ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد علي - رضي الله عنه - أن القارن يكفيه طواف واحد ، وسعي واحد ، خلاف ما روى أهل الكوفة ، وما رواه العراقيون ، منه ما هو منقطع ، ومنه ما رجاله مجهولون أو مجروحون ، ولهذا طعن علماء النقل في ذلك حتى قال : كل ما روي في ذلك عن الصحابة ، لا يصح منه ولا كلمة واحدة . وقد نقل في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو موضوع بلا ريب . وقد حلف ابن حزم : ما طاف أحد من أصحاب رسول - صلى الله عليه وسلم - لحجته وعمرته إلا طوافا واحدا ، وقد ثبت مثل ذلك عن طاووس ، ابن عمر ، وابن عباس وجابر ، وغيرهم رضي الله عنهم ، وهم أعلم الناس بحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يخالفوها ، بل هذه الآثار صريحة في أنهم لم يطوفوا بالصفا والمروة إلا مرة واحدة .
[ ص: 141 ] وقد تنازع الناس في ؟ على ثلاثة أقوال : في مذهب القارن والمتمتع ، هل عليهما سعيان أو سعي واحد أحمد وغيره .
أحدها : ليس على واحد منهما إلا سعي واحد ، كما نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله . قال عبد الله : قلت لأبي : المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : إن طاف طوافين ، فهو أجود . وإن طاف طوافا واحدا ، فلا بأس . قال شيخنا : وهذا منقول عن غير واحد من السلف .
الثاني : المتمتع عليه سعيان ، والقارن عليه سعي واحد ، وهذا هو القول الثاني في مذهبه ، وقول من يقوله من أصحاب مالك رحمهما الله . والشافعي
والثالث : إن على كل واحد منهما سعيين ، كمذهب رحمه الله ، ويذكر قولا في مذهب أبي حنيفة أحمد رحمه الله ، والله أعلم . والذي تقدم ، هو بسط قول شيخنا وشرحه والله أعلم .