فصل
فلما فرغ من طوافه ، جاء إلى خلف المقام فقرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ البقرة 125 ] ، البيت ، قرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص وقراءته الآية المذكورة بيان منه لتفسير القرآن ، ومراد الله منه بفعله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما فرغ من صلاته أقبل إلى فصلى ركعتين والمقام بينه وبين الحجر الأسود فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله ، فلما قرب منه . قرأ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) [ البقرة 159 ] أبدأ بما بدأ الله به ، وفي رواية : " ابدءوا " بصيغة الأمر ، النسائي البيت ، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ، وقال : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " . ثم دعا بين ذلك ، وقال مثل هذا ثلاث مرات . ثم رقي عليه حتى رأى
وقام على الصدع ، وهو الشق الذي في ابن مسعود الصفا ، فقيل له : هاهنا يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة . ذكره . البيهقي
[ ص: 211 ] ثم نزل إلى المروة يمشي ، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي ، سعى حتى إذا جاوز الوادي وأصعد ، مشى ، هذا الذي صح عنه ، وذلك اليوم قبل الميلين الأخضرين في أول المسعى وآخره .
والظاهر : أن الوادي لم يتغير عن وضعه هكذا قال جابر عنه في " صحيح " ، وظاهر هذا : أنه كان ماشيا ، وقد روى مسلم في " صحيحه " عن مسلم أبي الزبير ، أنه سمع يقول : جابر بن عبد الله بالبيت وبين الصفا والمروة ؛ ليراه الناس ، وليشرف ، وليسألوه ، فإن الناس قد غشوه . طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على راحلته
وروى عن مسلم أبي الزبير عن جابر : الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ، طوافه الأول . لم يطف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين
قال : لا تعارض بينهما ; لأن الراكب إذا انصب به بعيره ، فقد انصب كله ، وانصبت قدماه أيضا مع سائر جسده . ابن حزم
وعندي في الجمع بينهما وجه آخر أحسن من هذا ، وهو أنه سعى ماشيا أولا ، ثم أتم سعيه راكبا ، وقد جاء ذلك مصرحا به ، ففي " صحيح " : مسلم أبي الطفيل ، قال : قلت : أخبرني عن لابن عباس الصفا والمروة راكبا ، أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة ، قال : صدقوا وكذبوا ، قال : قلت : ما قولك : صدقوا وكذبوا ؟ قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثر عليه الناس ، يقولون هذا الطواف بين محمد ، هذا محمد ، حتى خرج العواتق من البيوت ، قال : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يضرب الناس بين يديه . قال : فلما كثر عليه ركب ، والمشي والسعي أفضل . عن