فصل
وأما : قبل الفجر ، ووقت الظهيرة ، وعند النوم ، فكان الاستئذان الذي أمر الله به المماليك ، ومن لم يبلغ الحلم في العورات الثلاث يأمر به ، ويقول : ترك الناس العمل بها ، فقالت طائفة : الآية منسوخة ولم تأت بحجة . ابن عباس
[ ص: 396 ] وقالت طائفة : أمر ندب وإرشاد ، لا حتم وإيجاب ، وليس معها ما يدل على صرف الأمر عن ظاهره ، وقالت طائفة : المأمور بذلك النساء خاصة ، وأما الرجال ، فيستأذنون في جميع الأوقات ، وهذا ظاهر البطلان ، فإن جمع " الذين " لا يختص به المؤنث ، وإن جاز إطلاقه عليهن مع الذكور تغليبا .
وقالت طائفة عكس هذا : إن المأمور بذلك الرجال دون النساء ، نظرا إلى لفظ " الذين " في الموضعين ، ولكن سياق الآية يأباه فتأمله .
وقالت طائفة : كان الأمر بالاستئذان في ذلك الوقت للحاجة ، ثم زالت ، والحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها ، فروى أبو داود في " سننه " ( أهل العراق قالوا : يا لابن عباس ! كيف ترى هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ، ولا يعمل بها أحد ( ابن عباس ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) الآية [ النور: 58 ] . فقال : إن الله حكيم رحيم بالمؤمنين ، يحب الستر ، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال ، فربما دخل الخادم ، أو الولد أو يتيمة الرجل ، والرجل على أهله ، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات ، فجاءهم الله بالستور والخير ، فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد ابن عباس ) أن نفرا من
وقد أنكر بعضهم ثبوت هذا عن ، وطعن في ابن عباس عكرمة ، ولم يصنع شيئا ، وطعن في ، وقد احتج به صاحبا الصحيح ، فإنكار هذا تعنت واستبعاد لا وجه له . عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب
وقالت طائفة : الآية محكمة عامة لا معارض لها ولا دافع ، والعمل بها واجب ، وإن تركه أكثر الناس .
[ ص: 397 ] والصحيح : أنه إن كان هناك ما يقوم مقام الاستئذان من فتح باب فتحه دليل على الدخول ، أو رفع ستر ، أو تردد الداخل والخارج ونحوه ، أغنى ذلك عن الاستئذان ، وإن لم يكن ما يقوم مقامه ، فلا بد منه ، والحكم معلل بعلة قد أشارت إليها الآية ، فإذا وجدت ، وجد الحكم ، وإذا انتفت انتفى ، والله أعلم .