فصل
( ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند في الموسم ستة نفر من العقبة الأنصار كلهم من الخزرج ، وهم : ، أبو أمامة أسعد بن زرارة ، وعوف بن الحارث ورافع بن مالك ، وقطبة بن عامر ، ، وعقبة بن عامر ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلموا وجابر بن عبد الله بن رئاب ) .
ثم رجعوا إلى المدينة ، فدعوهم إلى الإسلام ، ففشا الإسلام فيها حتى لم يبق دار إلا وقد دخلها الإسلام ، فلما كان العام المقبل ، جاء منهم اثنا عشر رجلا ، الستة الأول خلا ، ومعهم جابر بن عبد الله أخو معاذ بن الحارث بن رفاعة عوف المتقدم ، وذكوان بن عبد القيس ، وقد أقام ذكوان بمكة حتى هاجر إلى المدينة ، فيقال : إنه مهاجري أنصاري ، ، وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة ، ، وأبو [ ص: 41 ] الهيثم بن التيهان وعويمر بن مالك هم اثنا عشر .
وقال أبو الزبير : عن جابر ( بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في المواسم ، ومجنة ، وعكاظ ، يقول : من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة ، فلا يجد أحدا ينصره ولا يؤويه ، حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن إلى ذي رحمه ، فيأتيه قومه فيقولون له : احذر غلام قريش لا يفتنك ، ويمشي بين رجالهم يدعوهم إلى الله عز وجل ، وهم يشيرون إليه بالأصابع ، حتى بعثنا الله من يثرب ، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن ، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ، وبعثنا الله إليه ، فائتمرنا واجتمعنا وقلنا : حتى متى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم ، فواعدنا ، فقال له عمه بيعة العقبة العباس : يا ابن أخي ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك ، إني ذو معرفة بأهل يثرب ، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين ، فلما نظر العباس في وجوهنا قال : هؤلاء قوم لا نعرفهم ، هؤلاء أحداث ، فقلنا : يا رسول الله علام نبايعك ؟ قال : " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، وعلى النفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم ، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم ، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ، ولكم الجنة ، فقمنا نبايعه ، فأخذ بيده ، وهو أصغر السبعين فقال : رويدا يا أهل أسعد بن زرارة يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على ذلك فخذوه ، وأجركم على الله ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله ، فقالوا : يا أسعد أمط عنا يدك ، فوالله لا نذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها ، فقمنا إليه رجلا رجلا ، [ ص: 42 ] فأخذ علينا وشرط ، يعطينا بذلك الجنة ) . إن النبي صلى الله عليه وسلم لبث
ثم انصرفوا إلى المدينة ، وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عمرو بن أم مكتوم يعلمان من أسلم منهم القرآن ، ويدعوان إلى الله عز وجل ، فنزلا على ومصعب بن عمير ، وكان أبي أمامة أسعد بن زرارة يؤمهم ، ( وجمع بهم لما بلغوا أربعين ) ، فأسلم على يديهما بشر كثير ، منهم : مصعب بن عمير ، أسيد بن الحضير وأسلم بإسلامهما يومئذ جميع وسعد بن معاذ ، بني عبد الأشهل الرجال والنساء ، إلا أصيرم عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد ، وأسلم حينئذ وقاتل فقتل قبل أن يسجد لله سجدة ، فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ) . عمل قليلا وأجر كثيرا
[ ص: 43 ] وكثر الإسلام بالمدينة وظهر ، ثم رجع مصعب إلى مكة ، ووافى الموسم ذلك العام خلق كثير من الأنصار من المسلمين والمشركين ، وزعيم القوم ، فلما كانت ليلة العقبة الثلث الأول من الليل تسلل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خفية من قومهم ومن كفار البراء بن معرور مكة ، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم ، فكان أول من بايعه ليلتئذ ، وكانت له اليد البيضاء ، إذ أكد العقد وبادر إليه ، وحضر البراء بن معرور العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدا لبيعته كما تقدم ، وكان إذ ذاك على دين قومه ، واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم تلك الليلة اثني عشر نقيبا ، وهم : ، أسعد بن زرارة ، وسعد بن الربيع ، وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك ، ، والبراء بن معرور ، وكان إسلامه تلك الليلة ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر ، وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، ، فهؤلاء تسعة من وعبادة بن الصامت الخزرج ، وثلاثة من الأوس : ، أسيد بن الحضير ، وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر . وقيل : بل مكانه . أبو الهيثم بن التيهان
وأما المرأتان : ، وهي التي قتل فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو مسيلمة ابنها حبيب بن زيد ، وأسماء بنت عمرو بن عدي .
فلما تمت هذه البيعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يميلوا على أهل العقبة بأسيافهم ، فلم يأذن لهم في ذلك ، وصرخ الشيطان على العقبة بأنفذ صوت سمع : يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على [ ص: 44 ] حربكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ) . هذا أزب العقبة ، هذا ابن أزيب ، أما والله يا عدو الله لأتفرغن لك
ثم أمرهم أن ينفضوا إلى رحالهم ، فلما أصبح القوم غدت عليهم جلة قريش وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار ، فقالوا : يا معشر الخزرج ، إنه بلغنا أنكم لقيتم صاحبنا البارحة وواعدتموه أن تبايعوه على حربنا ، وايم الله ، ما حي من العرب أبغض إلينا من أن ينشب بيننا وبينه الحرب منكم ، فانبعث من كان هناك من الخزرج من المشركين ، يحلفون لهم بالله : ما كان هذا وما علمنا ، وجعل عبد الله بن أبي بن سلول يقول : هذا باطل ، وما كان هذا ، وما كان قومي ليفتاتوا علي مثل هذا ، لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا حتى يؤامروني ، فرجعت قريش من عندهم ، ورحل ، فتقدم إلى البراء بن معرور بطن يأجج ، وتلاحق أصحابه من المسلمين ، وتطلبتهم قريش ، فأدركوا ، فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ، وجعلوا يضربونه ويجرونه ويجذبونه بجمته حتى أدخلوه سعد بن عبادة مكة ، فجاء مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فخلصاه من أيديهم ، وتشاورت الأنصار حين فقدوه أن يكروا إليه ، فإذا سعد قد طلع عليهم ، فوصل القوم جميعا إلى المدينة .
فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين المدينة ، فبادر الناس إلى ذلك ، فكان بالهجرة إلى المدينة أول من خرج إلى ، وامرأته أبو سلمة بن عبد الأسد ، ولكنها احتبست دونه ومنعت من اللحاق به سنة ، وحيل بينها وبين ولدها أم [ ص: 45 ] سلمة سلمة ، ثم خرجت بعد السنة بولدها إلى المدينة ، وشيعها . عثمان بن أبي طلحة
ثم خرج الناس أرسالا يتبع بعضهم بعضا ، ولم يبق بمكة من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي ، أقاما بأمره لهما ، وإلا من احتبسه المشركون كرها ، وقد أعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج ، وأعد أبو بكر جهازه .