فصل .
وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية ، ( علي بن أبي طالب المدينة ابن أم مكتوم ) ونازل واستخلف على بني قريظة ، وحصرهم خمسا وعشرين ليلة ، ولما اشتد عليهم الحصار ، عرض عليهم رئيسهم حصون كعب بن أسد ثلاث خصال : إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد في دينه ، وإما أن يقتلوا ذراريهم ، ويخرجوا إليه بالسيوف مصلتة يناجزونه حتى يظفروا به ، أو يقتلوا عن آخرهم ، وإما أن يهجموا [ ص: 121 ] على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويكبسوهم يوم السبت ، لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه ، فأبوا عليه أن يجيبوه إلى واحدة منهن ، فبعثوا إليه أن أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر نستشيره ، فلما رأوه ، قاموا في وجهه يبكون ، وقالوا : يا أبا لبابة ! كيف ترى لنا أن ننزل على حكم محمد ؟ فقال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه يقول : إنه الذبح ، ثم علم من فوره أنه قد خان الله ورسوله ، فمضى على وجهه ، ولم يرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى المسجد مسجد المدينة ، فربط نفسه بسارية المسجد ، وحلف ألا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبدا .
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، قال : ( دعوه حتى يتوب الله عليه ) ثم تاب الله عليه ، وحله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، ثم إنهم نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقامت إليه الأوس ، فقالوا : ( بني قينقاع ما قد علمت وهم حلفاء إخواننا الخزرج ، وهؤلاء موالينا ، فأحسن فيهم فقال : ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى . قال : فذاك إلى . قالوا : قد رضينا ، فأرسل إلى سعد بن معاذ سعد بن معاذ ، وكان في المدينة لم يخرج معهم لجرح كان به ، فأركب حمارا وجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعلوا يقولون له وهم كنفتاه : يا سعد أجمل إلى مواليك ، فأحسن فيهم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكمك فيهم لتحسن فيهم ، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئا ، فلما أكثروا عليه ، قال : لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، فلما سمعوا ذلك منه ، رجع بعضهم إلى المدينة ، فنعى إليهم القوم ، فلما انتهى سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال للصحابة : قوموا إلى سيدكم فلما أنزلوه قالوا : يا سعد ! إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك ، قال : وحكمي نافذ عليهم ؟ . قالوا : نعم . قال : وعلى المسلمين ؟ قالوا : نعم . قال : على من هاهنا وأعرض بوجهه ، وأشار إلى ناحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالا له وتعظيما ؟ قال : نعم ، وعلي . قال : فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكمت فيهم بحكم الله من [ ص: 122 ] فوق سبع سماوات ) . وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول ، وهرب يا رسول الله! قد فعلت في ، فانطلق فلم يعلم أين ذهب ، وكان قد أبى الدخول معهم في نقض العهد ، فلما حكم فيهم بذلك ، عمرو بن سعد ، ومن لم ينبت ، ألحق بالذرية ، فحفر لهم خنادق في سوق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من جرت عليه الموسى منهم المدينة ، وضربت أعناقهم ، وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة ، كانت طرحت على رأس ولم يقتل من النساء أحد سوى امرأة واحدة سويد بن الصامت رحى ، فقتلته ، وجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالا أرسالا ، فقالوا لرئيسهم كعب بن أسد : يا كعب ! ما تراه يصنع بنا ؟ فقال : أفي كل موطن لا تعقلون ؟ أما ترون الداعي لا ينزع ، والذاهب منكم لا يرجع ، هو والله القتل .
قال مالك في رواية ابن القاسم : قال عبد الله بن أبي في أمرهم : إنهم أحد جناحي ، وهم ثلاثمائة دارع ، وستمائة حاسر ، فقال : قد آن لسعد بن معاذ لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، ولما جيء بحيي بن أخطب إلى بين يديه ، ووقع بصره عليه ، قال : أما والله ما لمت نفسي في معاداتك ، ولكن من يغالب الله يغلب ثم قال : يا أيها الناس ، لا بأس قدر الله وملحمة كتبت على بني إسرائيل ، ثم حبس ، فضربت عنقه . واستوهب ثابت بن قيس الزبير بن باطا وأهله وماله من رسول الله ، فوهبهم له ، فقال له : قد وهبك لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووهب لي مالك وأهلك ، فهم لك . فقال : سألتك بيدي عندك يا ثابت بن قيس ثابت إلا ألحقتني بالأحبة ، فضرب عنقه ، وألحقه [ ص: 123 ] بالأحبة من اليهود ، فهذا كله في يهود المدينة ، وكانت غزوة كل طائفة منهم عقب كل غزوة من الغزوات الكبار .
بني قينقاع عقب بدر ، فغزوة بني النضير عقب غزوة أحد ، وغزوة بني قريظة عقب الخندق . وغزوة
وأما يهود خيبر ، فسيأتي ذكر قصتهم إن شاء الله تعالى .