ومن هذا ما شرعه الله سبحانه وتعالى لنا من قبول ، وأن وليي الميت إذا اطلعا على خيانة [ ص: 134 ] من الوصيين جاز لهما أن يحلفا ويستحقا ما حلفا عليه ، وهذا لوث في [ ص: 135 ] الأموال ، وهذا نظير اللوث في الدماء ، وأولى بالجواز منه ، وعلى هذا إذا اطلع الرجل المسروق ماله على بعضه في يد خائن معروف بذلك ، ولم يتبين أنه اشتراه من غيره ، جاز له أن يحلف أن بقية ماله عنده ، وأنه صاحب السرقة استنادا إلى اللوث الظاهر ، والقرائن التي تكشف الأمر وتوضحه ، وهو نظير حلف أولياء المقتول في القسامة أن فلانا قتله : سواء ، بل أمر الأموال أسهل وأخف ، ولذلك ثبت بشاهد ويمين ، وشاهد وامرأتين ، ودعوى ونكول ، بخلاف الدماء . فإذا جاز إثباتها باللوث ، فإثبات الأموال به بالطريق الأولى والأحرى . شهادة أهل الكتاب على المسلمين في الوصية في السفر
والقرآن والسنة يدلان على هذا وهذا ، وليس مع من ادعى نسخ ما دل عليه القرآن من ذلك حجة أصلا ، فإن هذا الحكم في ( سورة المائدة ) ، وهي من آخر ما نزل من القرآن ، وقد حكم بموجبها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده كأبي موسى الأشعري وأقره الصحابة .
ومن هذا أيضا ما حكاه الله سبحانه في قصة يوسف من استدلال الشاهد بقرينة قد القميص من دبر على صدقه ، وكذب المرأة ، وأنه كان هاربا موليا ، فأدركته المرأة من ورائه فجبذته فقدت قميصه من دبر ، فعلم بعلها والحاضرون صدقه وقبلوا هذا الحكم وجعلوا الذنب ذنبها ، وأمروها بالتوبة وحكاه الله - سبحانه وتعالى - حكاية مقرر له غير منكر ، والتأسي بذلك وأمثاله في إقرار الله له ، وعدم إنكاره ، لا في مجرد حكايته فإنه إذا أخبر به مقرا عليه ، ومثنيا على فاعله ومادحا له ، دل على رضاه به وأنه [ ص: 136 ] موافق لحكمه ومرضاته ، فليتدبر هذا الموضع ، فإنه نافع جدا ، ولو تتبعنا ما في القرآن والسنة ، وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك لطال ، وعسى أن نفرد فيه مصنفا شافيا إن شاء الله تعالى . والمقصود : التنبيه على هديه واقتباس الأحكام من سيرته ، ومغازيه ، ووقائعه صلوات الله عليه وسلامه .
ولما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في الأرض ( ) . كان يبعث كل عام من يخرص عليهم الثمار ، فينظر : كم يجنى منها ، فيضمنهم نصيب المسلمين ويتصرفون فيها