فصل
ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتمدا على فخذيه كما ذكر [ ص: 233 ] عنه : وائل ، ولا يعتمد على الأرض بيديه ، وقد ذكر عنه وأبو هريرة مالك بن الحويرث أنه ( ) . وهذه هي التي تسمى كان لا ينهض حتى يستوي جالسا . جلسة الاستراحة
واختلف الفقهاء فيها: هل هي من سنن الصلاة فيستحب لكل أحد أن يفعلها ، أو ليست من السنن ، وإنما يفعلها من احتاج إليها ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه الله .
قال الخلال : رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة وقال : أخبرني ، أن يوسف بن موسى أبا أمامة سئل عن النهوض فقال : على صدور القدمين على حديث رفاعة .
وفي حديث ما يدل على أنه كان ينهض على صدور قدميه ، وقد روي عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة ، وإنما ذكرت في حديث ابن عجلان أبي حميد ، ومالك بن الحويرث .
ولو كان هديه صلى الله عليه وسلم فعلها دائما لذكرها كل من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم ، ومجرد فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدل على أنها من سنن الصلاة ، إلا إذا علم أنه فعلها على أنها سنة يقتدى به فيها ، وأما إذا قدر أنه [ ص: 234 ] فعلها للحاجة ، لم يدل على كونها سنة من سنن الصلاة ، فهذا من تحقيق المناط في هذه المسألة .
وكان إذا نهض افتتح القراءة ولم يسكت، كما كان يسكت عند افتتاح الصلاة ، فاختلف الفقهاء : هل هذا موضع استعاذة أم لا؟ بعد اتفاقهم على أنه ليس موضع استفتاح، وفي ذلك قولان، هما روايتان عن أحمد ، وقد بناهما بعض أصحابه على أن . قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة ؟ فيكفي فيها استعاذة واحدة ، أو قراءة كل ركعة مستقلة برأسها
ولا نزاع بينهم أن ، الاستفتاح لمجموع الصلاة أظهر للحديث الصحيح عن والاكتفاء باستعاذة واحدة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أبي هريرة الحمد لله رب العالمين ) ) ولم يسكت ، وإنما يكفي استعاذة واحدة ؛ لأنه لم يتخلل القراءتين سكوت ، بل تخللهما ذكر ، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله أو تسبيح أو تهليل أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك . كان إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ (
[ ص: 235 ] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الثانية كالأولى سواء ، إلا في أربعة أشياء : السكوت ، والاستفتاح ، وتكبيرة الإحرام ، وتطويلها كالأولى ، فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يستفتح ، ولا يسكت ، ولا يكبر للإحرام فيها ، ويقصرها عن الأولى ، فتكون الأولى أطول منها في كل صلاة كما تقدم .
فإذا جلس للتشهد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه السبابة ، وكان لا ينصبها نصبا ، ولا ينيمها ، بل يحنيها شيئا ، ويحركها شيئا ، كما تقدم في حديث وائل بن حجر ، وكان يقبض أصبعين وهما الخنصر والبنصر ، ويحلق حلقة وهي الوسطى مع الإبهام ، ويرفع السبابة يدعو بها ، ويرمي ببصره إليها ، ويبسط الكف اليسرى على الفخذ اليسرى ، ويتحامل عليها .
وأما صفة جلوسه فكما تقدم بين السجدتين سواء ، يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى . ولم يرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة .
وأما حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه الذي رواه في " صحيحه " ( مسلم ) فهذا في التشهد الأخير كما يأتي وهو أحد الصفتين اللتين رويتا عنه ، ففي " الصحيحين " من حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى أبي حميد في ( صفة صلاته صلى الله عليه وسلم ) فذكر فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى ، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى وقعد على مقعدته أبو [ ص: 236 ] حميد أنه كان ينصب اليمنى . وذكر ابن الزبير أنه كان يفرشها ، ولم يقل أحد عنه صلى الله عليه وسلم : إن هذه ، ولا أعلم أحدا قال به ، بل من الناس من قال : يتورك في التشهدين ، وهذا مذهب صفة جلوسه في التشهد الأول مالك رحمه الله .
ومنهم من قال : يفترش فيهما فينصب اليمنى ، ويفترش اليسرى ويجلس عليها ، وهو قول رحمه الله ، ومنهم من قال : أبي حنيفة ، ويفترش في غيره ، وهو قول يتورك في كل تشهد يليه السلام رحمه الله : ومنهم من قال: الشافعي فرقا بين الجلوسين ، وهو قول يتورك في كل صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما؛ رحمه الله . الإمام أحمد
ومعنى حديث ابن الزبير رضي الله عنه أنه فرش قدمه اليمنى : أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته ، فتكون قدمه اليمنى مفروشة ، وقدمه اليسرى بين فخذه وساقه ، ومقعدته على الأرض ، فوقع الاختلاف في قدمه اليمنى في هذا الجلوس ، هل كانت مفروشة أو منصوبة ؟ وهذا - والله أعلم - ليس اختلافا في الحقيقة ، فإنه كان لا يجلس على قدمه ، بل يخرجها عن يمينه فتكون بين المنصوبة والمفروشة ، فإنها تكون على باطنها الأيمن ، فهي مفروشة بمعنى أنه ليس ناصبا لها جالسا على عقبه ، ومنصوبة بمعنى أنه ليس جالسا على باطنها، وظهرها إلى الأرض ، فصح قول أبي حميد ومن معه ، وقول عبد الله بن الزبير ، أو يقال : إنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا وهذا ، فكان ينصب قدمه وربما فرشها أحيانا ، وهذا أروح لها . والله أعلم .
ثم كان صلى الله عليه وسلم يتشهد دائما في هذه الجلسة ، ويعلم أصحابه أن يقولوا : ( ) . التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
[ ص: 237 ] وقد ذكر من حديث النسائي أبي الزبير عن جابر قال : ( ، بسم الله وبالله ، التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أسأل الله الجنة ، وأعوذ بالله من النار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ) .
ولم تجئ إلا في هذا الحديث ، وله علة غير عنعنة التسمية في أول التشهد أبي الزبير .
وكان صلى الله عليه وسلم يخفف هذا التشهد جدا حتى كأنه على الرضف - وهي الحجارة المحماة - ولم ينقل عنه في حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله في هذا التشهد ، ولا كان أيضا يستعيذ فيه من عذاب القبر وعذاب النار ، وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبيين موضعها وتقييدها بالتشهد الأخير .
ثم كان ينهض مكبرا على صدور قدميه وعلى ركبتيه معتمدا على فخذه كما تقدم ، وقد ذكر في " صحيحه " من حديث مسلم رضي الله [ ص: 238 ] عنهما أنه كان يرفع يديه في هذا الموضع ، وهي في بعض طرق عبد الله بن عمر أيضا ، على أن هذه الزيادة ليست متفقا عليها في حديث البخاري ، فأكثر رواته لا يذكرونها ، وقد جاء ذكرها مصرحا به في حديث عبد الله بن عمر قال : ( أبي حميد الساعدي ) . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ، ثم رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ويقيم كل عضو في موضعه ، ثم يقرأ ، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه معتدلا لا يصوب رأسه ولا يقنع به ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، حتى يقر كل عظم إلى موضعه ، ثم يهوي إلى الأرض ، ويجافي يديه عن جنبيه ، ثم يرفع رأسه ، ويثني رجله فيقعد عليها ، ويفتخ أصابع رجليه إذا سجد ، ثم يكبر ويجلس على رجله اليسرى ، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ، ثم يقوم فيصنع في الأخرى مثل ذلك ، ثم إذا قام من الركعتين رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما يصنع عند افتتاح الصلاة ، ثم يصلي بقية صلاته هكذا ، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم ، أخرج رجليه وجلس على شقه الأيسر متوركا
هذا سياق أبي [ ص: 239 ] حاتم في " صحيحه " وهو في " صحيح " أيضا ، وقد ذكره مسلم مصححا له من حديث الترمذي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في هذه المواطن أيضا . علي بن أبي طالب
ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها ، ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئا ، وقد ذهب في أحد قوليه وغيره إلى استحباب الشافعي ، واحتج لهذا القول بحديث القراءة بما زاد على الفاتحة في الأخريين أبي سعيد الذي في " الصحيح " : ( ) . حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر في الركعتين الأوليين قدر قراءة ( الم تنزيل ) السجدة ، وحزرنا قيامه في الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك ، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الركعتين الأخريين من الظهر ، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك
وحديث أبي قتادة المتفق عليه ظاهر في الاقتصار على فاتحة الكتاب في الركعتين الأخريين .
قال أبو قتادة رضي الله عنه : ( ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، ويسمعنا الآية أحيانا
زاد : ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب ، والحديثان غير [ ص: 240 ] صريحين في محل النزاع . مسلم
وأما حديث أبي سعيد ، فإنما هو حزر منهم وتخمين ، ليس إخبارا عن تفسير نفس فعله صلى الله عليه وسلم .
وأما حديث أبي قتادة ، فيمكن أن يراد به أنه كان يقتصر على الفاتحة ، وأن يراد به أنه لم يكن يخل بها في الركعتين الأخريين ، بل كان يقرؤها فيهما كما كان يقرؤها في الأوليين ، فكان يقرأ الفاتحة في كل ركعة ، وإن كان حديث أبي قتادة في الاقتصار أظهر ، فإنه في معرض التقسيم ، فإذا قال : كان يقرأ في الأوليين بالفاتحة والسورة ، وفي الأخريين بالفاتحة ، كان كالتصريح في اختصاص كل قسم بما ذكر فيه ، وعلى هذا فيمكن أن يقال : إن هذا أكثر فعله ، وربما قرأ في الركعتين الأخريين بشيء فوق الفاتحة كما دل عليه حديث أبي سعيد ، وهذا كما أن هديه صلى الله عليه وسلم كان ، وكان يخففها أحيانا ، تطويل القراءة في الفجر ، وكان يطيلها أحيانا ، وترك وتخفيف القراءة في المغرب ، وكان يقنت فيها أحيانا ، القنوت في الفجر ، وكان يسمع الصحابة الآية فيها أحيانا ، والإسرار في الظهر والعصر بالقراءة ، وكان يجهر بها أحيانا . وترك الجهر بالبسملة
والمقصود أنه كان يفعل في الصلاة شيئا أحيانا لعارض لم يكن من فعله الراتب ، ومن هذا لما بعث صلى الله عليه وسلم فارسا طليعة ، ثم قام إلى الصلاة وجعل [ ص: 241 ] يلتفت في الصلاة إلى الشعب الذي يجيء منه الطليعة ، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم ، وفي " صحيح الالتفات في الصلاة " عن البخاري رضي الله عنها قالت : عائشة ) . سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة ؟ فقال : ( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد
وفي من حديث الترمذي سعيد بن المسيب أنس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا بني، إياك والالتفات في الصلاة ، فإن الالتفات في الصلاة هلكة ، فإن كان ولا بد ففي التطوع ، لا في الفرض ) ولكن للحديث علتان عن
إحداهما : إن رواية سعيد عن أنس لا تعرف .
الثانية : إن في طريقه ، وقد ذكر علي بن زيد بن جدعان في مسنده من حديث البزار عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أبي الدرداء ) . لا صلاة للملتفت
فأما حديث : " ابن عباس " فهذا حديث لا يثبت . قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلحظ [ ص: 242 ] في الصلاة يمينا وشمالا ، ولا يلوي عنقه خلف ظهره فيه : حديث غريب . ولم يزد . الترمذي
وقال الخلال : أخبرني الميموني أن أبا عبد الله قيل له : إن بعض الناس أسند أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ في الصلاة . فأنكر ذلك إنكارا شديدا حتى تغير وجهه، وتغير لونه وتحرك بدنه ، ورأيته في حال ما رأيته في حال قط أسوأ منها ، وقال : النبي صلى الله عليه وسلم كان يلاحظ في الصلاة ؟ ! يعني أنه أنكر ذلك ، وأحسبه قال : ليس له إسناد ، وقال : من روى هذا ؟ إنما هذا من ، ثم قال لي بعض أصحابنا : إن سعيد بن المسيب أبا عبد الله وهن حديث سعيد هذا وضعف إسناده ، وقال : إنما هو عن رجل عن سعيد ، وقال عبد الله بن أحمد : حدثت أبي بحديث عن حسان بن إبراهيم عبد الملك الكوفي قال : سمعت العلاء قال : سمعت مكحولا يحدث عن أبي أمامة وواثلة : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة لم يلتفت يمينا ولا شمالا ، ورمى ببصره في موضع سجوده ) فأنكره جدا وقال : اضرب عليه . فأحمد رحمه الله أنكر هذا وهذا ، وكان إنكاره للأول أشد ؛ لأنه باطل سندا ومتنا .
والثاني : إنما أنكر سنده ، وإلا فمتنه غير منكر ، والله أعلم .
ولو ثبت الأول لكان حكاية فعل فعله ، لعله كان لمصلحة تتعلق [ ص: 243 ] بالصلاة ككلامه عليه السلام هو وأبو بكر وعمر وذو اليدين في الصلاة لمصلحتها أو لمصلحة المسلمين ، كالحديث الذي رواه أبو داود عن أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية قال : . ثوب بالصلاة يعني صلاة الصبح ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب
قال أبو داود : يعني وكان أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس ، فهذا الالتفات من الاشتغال بالجهاد في الصلاة ، وهو يدخل في مداخل العبادات كصلاة الخوف ، وقريب منه قول عمر : إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة . فهذا جمع بين الجهاد والصلاة . ونظيره ، فهذا جمع بين الصلاة والعلم ، فهذا لون ، والتفات الغافلين اللاهين وأفكارهم لون آخر ، وبالله التوفيق . التفكر في معاني القرآن واستخراج كنوز العلم منه في الصلاة
، وإطالة الأولى من الأوليين على الثانية ، ولهذا قال فهديه الراتب صلى الله عليه وسلم إطالة الركعتين الأوليين من الرباعية على الأخريين سعد لعمر : أما أنا فأطيل في الأوليين ، وأحذف في الأخريين ، ولا آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكذلك كما تقدم . كان هديه صلى الله عليه وسلم إطالة صلاة الفجر على سائر الصلوات
قالت رضي الله عنها : ( عائشة ) رواه فرض الله الصلاة ركعتين ركعتين ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد في صلاة الحضر إلا الفجر ، فإنها أقرت على حالها من أجل طول القراءة ، والمغرب لأنها وتر النهار في " صحيحه " [ ص: 244 ] وأصله في " صحيح أبو حاتم بن حبان " . البخاري
وهذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في سائر صلاته؛ إطالة أولها على آخرها كما فعل في الكسوف ، وفي قيام الليل لما صلى ركعتين طويلتين ، ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، حتى أتم صلاته .
ولا يناقض هذا وأمره بذلك ، لأن هاتين الركعتين مفتاح قيام الليل ، فهما بمنزلة سنة الفجر وغيرها ، وكذلك الركعتان اللتان كان يصليهما أحيانا بعد وتره تارة جالسا وتارة قائما مع قوله : ( افتتاحه صلى الله عليه وسلم صلاة الليل بركعتين خفيفتين ) فإن هاتين الركعتين لا تنافيان هذا الأمر ، كما أن المغرب وتر للنهار ، وصلاة السنة شفعا بعدها لا يخرجها عن كونها وترا للنهار ، وكذلك الوتر لما كان عبادة مستقلة وهو وتر الليل كانت الركعتان بعده جاريتين مجرى سنة المغرب من المغرب ، ولما كان المغرب فرضا كانت محافظته عليه السلام على سنتها أكثر من محافظته على سنة الوتر ، وهذا على أصل من يقول اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ظاهر جدا ، وسيأتي مزيد كلام في هاتين الركعتين إن شاء الله تعالى ، وهي مسألة شريفة لعلك لا تراها في مصنف وبالله التوفيق . بوجوب الوتر
[ ص: 245 ]