فصل
وفي قصة هذا الوفد من الفقه ، أن لم يتعرض له الإمام ، ولا لما أخذه من المال ، ولا يضمن ما أتلفه قبل مجيئه من نفس ولا مال ، كما لم يتعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخذه الرجل من أهل الحرب إذا غدر بقومه وأخذ أموالهم ، ثم قدم مسلما المغيرة من أموال الثقفيين ، ولا ضمن ما أتلفه عليهم ، وقال : ( ) . أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء
ومنها : جواز ، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه ، وتمكينه من سماع القرآن ، ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم . إنزال المشرك في المسجد
ومنها : حسن سياسة الوفد ، وتلطفهم حتى تمكنوا من إبلاغ ثقيف ما قدموا به فتصوروا لهم بصورة المنكر لما يكرهونه ، الموافق لهم فيما يهوونه ، حتى ركنوا إليهم واطمأنوا ، فلما علموا أنه ليس لهم بد من الدخول في دعوة الإسلام أذعنوا ، فأعلمهم الوفد أنهم بذلك قد جاءوهم ، ولو فاجئوهم به من أول وهلة لما أقروا به ، ولا أذعنوا ، وهذا من أحسن [ ص: 526 ] الدعوة وتمام التبليغ ، ولا يتأتى مع ألباء الناس وعقلاتهم .
ومنها : أن المستحق لإمرة القوم وإمامتهم أفضلهم وأعلمهم بكتاب الله ، وأفقههم في دينه .
ومنها : ، وهدمها أحب إلى الله ورسوله ، وأنفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير ، وهذا حال المشاهد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله ، ويشرك بأربابها مع الله ، لا يحل إبقاؤها في الإسلام ، ويجب هدمها ، ولا يصح وقفها ولا الوقف عليها ، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام ، ويستعين بها على مصالح المسلمين ، وكذلك ما فيها من الآلات والمتاع والنذور التي تساق إليها ، يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيوتا للطواغيت البيت الحرام ، للإمام أخذها كلها ، وصرفها في مصالح المسلمين ، كما أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - أموال بيوت هذه الطواغيت وصرفها في مصالح الإسلام ، وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد ، سواء من النذور لها والتبرك بها والتمسح بها ، وتقبيلها واستلامها ، هذا كان شرك القوم بها ، ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض ، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه .
ومنها : استحباب ، فيعبد الله وحده لا يشرك به شيئا في الأمكنة التي كان يشرك به فيها ، وهكذا الواجب في مثل هذه المشاهد أن تهدم ، وتجعل مساجد إن احتاج إليها المسلمون ، وإلا أقطعها الإمام هي وأوقافها للمقاتلة وغيرهم . اتخاذ المساجد مكان بيوت الطواغيت
ومنها : أن العبد إذا تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وتفل عن يساره ، لم يضره ذلك ، ولا يقطع صلاته ، بل هذا من تمامها وكمالها ، والله أعلم .