[ ص: 568 ] فصل في تجيب . قدوم وفد
وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد تجيب وهم من السكون ثلاثة عشر رجلا قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم منزلهم ، وقالوا : يا رسول الله : سقنا إليك حق الله في أموالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ردوها فاقسموها على فقرائكم " قالوا : يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ما وفد من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تجيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الهدى بيد الله عز وجل ، فمن أراد به خيرا شرح صدره للإيمان " وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء ، فكتب لهم بها ، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن ، فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم رغبة ، وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم ، فأقاموا أياما ولم يطيلوا اللبث ، فقيل لهم : ما يعجبكم ؟ فقالوا : نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامنا إياه ، وما رد علينا ، ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه ، فأرسل إليهم بلالا فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود . قال : " هل بقي منكم أحد ؟ " قالوا : نعم . غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثنا سنا ، قال : " أرسلوه إلينا " ، فلما رجعوا إلى رحالهم ، قالوا للغلام : انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاقض حاجتك منه ، فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودعناه ، فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني امرؤ من بني أبذى ، يقول : من الرهط الذين أتوك آنفا ، فقضيت حوائجهم ، فاقض حاجتي يا رسول الله . قال : " وما حاجتك ؟ " ، قال إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي ، وإن كانوا قدموا راغبين في الإسلام ، وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم ، وإني والله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز وجل أن يغفر [ ص: 569 ] لي ويرحمني ، وأن يجعل غناي في قلبي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأقبل إلى الغلام - : اللهم اغفر له وارحمه ، واجعل غناه في قلبه " ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه ، فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ، ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم بمنى سنة عشر ، فقالوا : نحن بنو أبذى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل الغلام الذي أتاني معكم ؟ قالوا : يا رسول الله ، ما رأينا مثله قط ، ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله ، لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ، ولا التفت إليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا ، فقال رجل منهم : أوليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا ، فلعل أجله أن يدركه في بعض تلك الأودية ، فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك " قالوا : فعاش ذلك الغلام فينا على أفضل حال وأزهده في الدنيا ، وأقنعه بما رزق ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام ، قام في قومه فذكرهم الله والإسلام ، فلم يرجع منهم أحد ، وجعل يذكره ، ويسأل عنه حتى بلغه حاله ، وما قام به فكتب إلى أبو بكر الصديق زياد بن لبيد يوصيه به خيرا ) .