فصل 
ثم كان صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله  ، وعن يساره كذلك . 
هذا كان فعله الراتب رواه عنه خمسة عشر صحابيا ، وهم  عبد الله بن مسعود  ،  وسعد بن أبي وقاص  ،  وسهل بن سعد الساعدي  ،  ووائل بن حجر  ،  وأبو موسى الأشعري  ،  وحذيفة بن اليمان  ،  وعمار بن ياسر  ،  وعبد الله بن عمر  ،  وجابر بن سمرة  ،  والبراء بن عازب  ، وأبو مالك الأشعري  ، وطلق بن علي  ، وأوس بن أوس  ، وأبو رمثة  ، وعدي بن عميرة  ، رضي الله عنهم . 
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ( كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه  ) ولكن لم يثبت  [ ص: 251 ] عنه ذلك من وجه صحيح ، وأجود ما فيه حديث  عائشة  رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم ( كان يسلم تسليمة واحدة : السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا  ) وهو حديث معلول ، وهو في السنن ، لكنه كان في قيام الليل ، والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض والنفل ، على أن حديث  عائشة  ليس صريحا في الاقتصار على التسليمة الواحدة  ، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة واحدة يوقظهم بها ، ولم تنف الأخرى ، بل سكتت عنها ، وليس سكوتها عنها مقدما على رواية من حفظها وضبطها ، وهم أكثر عددا ، وأحاديثهم أصح ، وكثير من أحاديثهم صحيح ، والباقي حسان . 
قال  أبو عمر بن عبد البر   : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمة واحدة من حديث  سعد بن أبي وقاص  ، ومن حديث  عائشة  ، ومن حديث أنس  ، إلا أنها معلولة ، ولا يصححها أهل العلم بالحديث ، ثم ذكر علة حديث سعد   : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة  . قال: وهذا وهم وغلط ، وإنما الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره ، ثم ساق الحديث من طريق  ابن المبارك  ، عن  مصعب بن ثابت  ، عن  إسماعيل بن محمد بن سعد  ، عن عامر بن سعد  ، عن أبيه قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن شماله ، حتى كأني أنظر إلى صفحة خده  ) فقال  الزهري   : ما سمعنا هذا من حديث  [ ص: 252 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له  إسماعيل بن محمد :  أكل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمعته ؟ قال : لا ، قال : فنصفه ؟ قال : لا ، قال : فاجعل هذا من النصف الذي لم تسمع . قال : وأما حديث  عائشة  رضي الله عنها : عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( كان يسلم تسليمة واحدة  ) فلم يرفعه أحد إلا زهير بن محمد  وحده عن  هشام بن عروة  ، عن أبيه ، عن  عائشة  ، رواه عنه  عمرو بن أبي سلمة  وغيره ، وزهير بن محمد  ضعيف عند الجميع ، كثير الخطأ لا يحتج به ، وذكر  ليحيى بن معين  هذا الحديث فقال : حديث  عمرو بن أبي سلمة  وزهير  ضعيفان لا حجة فيهما قال : وأما  [ ص: 253 ] حديث أنس  ، فلم يأت إلا من طريق  أيوب السختياني  عن أنس  ، ولم يسمع أيوب  من أنس  عندهم شيئا ، قال : وقد روي مرسلا عن الحسن  أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر  وعمر  رضي الله عنهما كانوا يسلمون تسليمة واحدة ، وليس مع القائلين بالتسليمة غير عمل أهل المدينة  ، قالوا : وهو عمل قد توارثوه كابرا عن كابر ، ومثله يصح الاحتجاج به ، لأنه لا يخفى لوقوعه في كل يوم مرارا ، وهذه طريقة قد خالفهم فيها سائر الفقهاء ، والصواب معهم ، والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدفع ولا ترد بعمل أهل بلد كائنا من كان  ، وقد أحدث الأمراء بالمدينة  وغيرها في الصلاة أمورا استمر عليها العمل ، ولم يلتفت إلى استمراره ، وعمل أهل المدينة  الذي يحتج به ما كان في زمن الخلفاء الراشدين ، وأما عملهم بعد موتهم وبعد انقراض عصر من كان بها في الصحابة ، فلا فرق بينهم وبين عمل غيرهم ، والسنة تحكم بين الناس ، لا عمل أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، وبالله التوفيق . 
				
						
						
