فصل في قدوم محارب وفد
( وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد محارب عام حجة الوداع ، وهم كانوا أغلظ العرب وأفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المواسم أيام عرضه نفسه على القبائل يدعوهم إلى الله ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عشرة نائبين عمن وراءهم من قومهم فأسلموا ، وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الظهر إلى العصر ، فعرف رجلا منهم ، فأمده النظر ، فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال : كأنك يا رسول الله توهمني ؟ قال : " لقد رأيتك " ، قال المحاربي : أي والله ، لقد رأيتني وكلمتني ، وكلمتك بأقبح الكلام ، ورددتك بأقبح الرد بعكاظ ، وأنت تطوف على الناس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " ، ثم قال [ ص: 580 ] المحاربي : يا رسول الله ، ما كان في أصحابي أشد عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني ، فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك ، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن هذه القلوب بيد الله عز وجل " ، فقال المحاربي : يا رسول الله استغفر لي من مراجعتي إياك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر " ثم انصرفوا إلى أهليهم )