فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حكة الجسم وما يولد القمل
في " الصحيحين " من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال : ( لعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما في والزبير بن العوام كانت بهما لبس الحرير لحكة ) رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي رواية ( عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما ، شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة لهما ، فرخص لهما في قمص الحرير ، ورأيته عليهما والزبير بن العوام ) . أن
هذا الحديث يتعلق به أمران : أحدهما : فقهي ، والآخر طبي .
فأما الفقهي : فالذي استقرت عليه سنته صلى الله عليه وسلم إباحة الحرير للنساء مطلقا ، وتحريمه على الرجال إلا لحاجة ومصلحة راجحة ، فالحاجة إما من شدة البرد ولا يجد غيره ، أو لا يجد سترة سواه . ومنها : لباسه للجرب ، والمرض والحكة وكثرة القمل كما دل عليه حديث أنس هذا الصحيح .
[ ص: 71 ] والجواز : أصح الروايتين عن الإمام أحمد ، وأصح قولي ، إذ الأصل عدم التخصيص ، والرخصة إذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى تعدت إلى كل من وجد فيه ذلك المعنى ، إذ الحكم يعم بعموم سببه . الشافعي
ومن منع منه قال أحاديث التحريم عامة ، وأحاديث الرخصة يحتمل اختصاصها بعبد الرحمن بن عوف والزبير ، ويحتمل تعديها إلى غيرهما . وإذا احتمل الأمران كان الأخذ بالعموم أولى ؛ ولهذا قال بعض الرواة في هذا الحديث : فلا أدري أبلغت الرخصة من بعدهما أم لا ؟
والصحيح عموم الرخصة ، فإنه عرف خطاب الشرع في ذلك ما لم يصرح بالتخصيص ، وعدم إلحاق غير من رخص له أولا به ، كقوله لأبي بردة في تضحيته بالجذعة من المعز : ( ) وكقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في نكاح من وهبت نفسها له : ( تجزيك ولن تجزي عن أحد بعدك خالصة لك من دون المؤمنين ) [ الأحزاب : 50 ] .
وتحريم الحرير إنما كان سدا للذريعة ، ولهذا أبيح للنساء وللحاجة والمصلحة الراجحة ، وهذه قاعدة ما حرم لسد الذرائع ، فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة كما حرم النظر سدا لذريعة الفعل ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة ، وكما حرم سدا لذريعة المشابهة الصورية بعباد الشمس ، وأبيحت للمصلحة الراجحة ، وكما حرم ربا الفضل سدا لذريعة ربا النسيئة ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة من العرايا ، [ ص: 72 ] وقد أشبعنا الكلام فيما يحل ويحرم من لباس الحرير في كتاب " التحبير لما يحل ويحرم من لباس الحرير " التنفل بالصلاة في أوقات النهي