فصل
ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى أصبعه في الدعاء ، ولا يجاوز بصره إشارته . تغميض عينيه في الصلاة
وذكر في "صحيحه" عن البخاري أنس رضي الله عنه قال : ، سترت به جانب بيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أميطي عني قرامك هذا ، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي لعائشة ) ولو كان يغمض عينيه في صلاته ، لما عرضت له في صلاته . كان قرام
وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر ، لأن الذي كان يعرض له في صلاته : هل تذكر تلك التصاوير بعد رؤيتها ، أو نفس رؤيتها ؟ هذا محتمل ، وهذا محتمل ، وأبين دلالة منه حديث رضي الله عنها عائشة أبي جهم ، وأتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي ) وفي الاستدلال بهذا أيضا ما فيه ، إذ غايته أنه حانت منه التفاتة إليها ، فشغلته تلك الالتفاتة ولا يدل حديث التفاته إلى الشعب لما أرسل إليه الفارس طليعة ، لأن ذلك النظر والالتفات منه كان للحاجة ، لاهتمامه بأمور الجيش ، وقد يدل على ذلك مد يده في صلاة الكسوف ؛ ليتناول العنقود لما رأى الجنة ، وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها ، وصاحب المحجن ، وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمر بين يديه ، ورده الغلام والجارية ، وحجزه بين الجاريتين ، وكذلك أحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر ، إلى أعلامها نظرة فلما انصرف قال : اذهبوا [ ص: 284 ] ( بخميصتي هذه إلى ، فإنه إنما كان يشير إلى من يراه ، وكذلك حديث تعرض الشيطان له فأخذه فخنقه ، وكان ذلك رؤية عين ، فهذه الأحاديث وغيرها يستفاد من مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلاة . رد السلام بالإشارة على من سلم عليه وهو في الصلاة
وقد اختلف الفقهاء في كراهته ، فكرهه وغيره ، وقالوا : هو [ ص: 285 ] فعل الإمام أحمد اليهود ، وأباحه جماعة ولم يكرهوه ، وقالوا : قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها ومقصودها .
والصواب أن يقال : إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع ، فهو أفضل ، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه ، فهنالك لا يكره قطعا ، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ، والله أعلم . التغميض